Friday

مسعفو الصليب الاحمر.. "الله يكون معك" تكفينا

رغم ان عملهم محفوف بالخطر الا انهم لا يبالون فحسهم الانساني يطغى على الخوف والقلق فيندفعون خلف نداء الاستغاثة سالكين درب الانقاذ حيناُ ودرب الشهادة حيناُ آخر . هم جنود في قلب المعركة و لا يقاتلون سوى التردد و اليأس حتى يستطيعوا ترجمة وطنيتهم و انسانيتهم على اكمل وجه . انهم مسعفو الصليب الاحمر الذين اختاروا ان يتوجهوا الى " نهر البارد " حيث تحتدم المعارك وتشتد الاشتباكات .


منذ بدء معركة نهر البارد بين الجيش اللبناني وارهابيي فتح الاسلام ، يتكهن المحللون السياسيون والصحفيون بان المعركة ستنتهي سريعا . لكتها مازالت مستمرة حتى اليوم وهي تشتد حينا وتهدأ أخر ويتزايد عدد المصابين والقتلى بين الطرفين .
وقد قام الصليب الاحمر اللبناني بالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الاحمر باجلاء الفلسطينيين من مخيم نهر البارد ونقلهم الى المستشفيات فيما عالج الصليب الاحمر الجرحى وقام بانتشال الجثث.

وقد نسقت اللجنة الدولية للصليب الاحمر مع الصليب الاحمر اللبناني و الهلال الاحمر الفلسطيني لتقديم مساعدة انسانية للسكان الموجودين داخل وخارج المخيم . ودعت اللجنة جميع الاطراف المشاركة في المعركة الى احترام قواعد القانون الانساني الدولي. وشددت على وجوب ان يتمكن المسعفون والفرق الطبية من اداء مهمتهم بشكل كامل بحيث لا يتعرض العاملون والاليات والمؤسسات لتداعيات العنف .

لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ففي هذه المعركة بالذات لا قواعد و لا قوانين رادعة و لا حتى استثناءات فالكل معرض للخطر الى حد فقدان الحياة لانها حرب عصابات وشوارع . وعناصر الجيش الارجواني يؤمنون بهذا الواقع لانهم يعيشون الحرب بكل تفاصيلها واحداثها .

اذ يعتبر المسعف "وليد طوق " ان موضوع الحماية الشخصية كان من اولويات عملهم لانهم مسؤولين عن عدد كبير من المدنيين كما يؤكد بانهم كانوا مهيئين مسبقا لناحية انهم سوف يتعرضون للكثير من المخاطر. وتابع " تعرضنا لرصاص طائش وقذائف وشظايا كادت تستهدفنا ونحن نعلم ضمن استراتيجية عملنا بان ما من احد يعمل على استهداف الصليب الاحمر لاننا نعمل من اجل الجميع , اي الجيش اللبناني و المدنيين اللبنانيين و الفلسطينيين و كل من كان داخل المخيم .

العزيمة و الاصرار
يشدد المسغف طوق على موضوع الحماية القصوى الا ان " الظروف اثبتت انه رغم كل الاجراءات والاحتياطات المتخذة قفد خسرنا شهيدين . لكن اعود و اؤكد باننا لم نكن نحن المستهدفين ونحن دائما حريصين على ان يكون الشباب في الصليب الاحمر على ابعد نقطة من الخطر و استشهاد بولس و هيثم لم يعطينا الا العزيمة و الاصرار على متابعة عملنا" .

الضغط النفسي
ويتابع :"بعد استشهاد الشهيدين زادت مخاوف الاهل و قلقهم على شبابهم المتطوعين لانهم حينها شعروا بمدى الخطر الذي نشهده . نحن معهم من ناحية خوفهم وقلقهم على شبابهم ولكن بالمقابل نسال انفسنا دائما انه لولا وجود متطوعين في الصليب الاحمر فمن سينقل ويعالج الجرحى ؟ و من سيساعد المدنيين ؟

طبعا الاهل يمارسون الضغط العاطفي فبين " انبته على حالك " و " الله يحميك يا ابني " نعيش ضغطا نفسيا كبيرا . فمن جهة نريد ان نقوم بواجبنا الانساني على اكمل وجه و من جهة اخرى يبقى التفكير بالاهل وبخوفهم يشكل ضغطا كبيرا علينا" .

حرب بلا قضية

اما بالنسبة للمعركة لتي التي يعيشونها فيعبر طوق عن رايه قائلا :" هذه الحرب التي نخوضها اليوم في نهر البارد هي حرب بلا قضية فلا احد يعرف لماذا نحارب ولماذ نقتل وفي سبيل ماذا وهذه الحرب لا يستطيع احد ان يشعر بقوة مراراتها الا الذي يعيشها و يعيش تفاصيلها . لذا على الجميع ان يعلم انه مهما كان الوضع صعبا وسواء اكان هناك جيش ام لا داخل المعركة فالحرب شيء بشع جدا ولا تعطي اي نتيجة الا الخسارة والدمار . و اتمنى ان نتخلص باسرع وقت من هذه الوضع و ان لا نخسر المزيد من زملائنا في الصليب الاحمر و ان يعود الجميع الى اهلهم سالمين" .

لا ننتظر "شكرا" من احد
هذا ما يتمناه ايضا المسعف انطوان ليشا الذي اكد انه "خلال عمليات اجلاء المدنيين تعرض المسعفين وعناصر الصليب الاحمر للكثير من المخاطر واعتبر ان الضغط النفسي لم يكن خلال عمليات الاجلاء و الاسعاف بل ان الضغط الحقيقي كان بعد الانتهاء من هذا العمل" . وتحدث عن احد المواقف الذي لا يغيب عن ذهنه قائلا :" خلال احدى عمليات اجلاء المدنيين كنا نرى كيف ان الجيش اللبناني كان يساعد الفلسطينين للخروج من المخيم في الوقت الذي تنهال عليهم قذائف و رصاص ارهابيي فتح الاسلام .

ونحن كمتطوعين في الصليب الاحمر نشعر بدافع كبير في داخلنا لكي نكون هنا في ارض المعركة ونؤدي واجبنا الانساني الذي اخترناه نحن حينا تطوعنا ولا ننتظر كلمة "شكرا " من احد وطبعا نستطيع ان نترك هذا العمل وقت ما نشاء لكن قناعتنا عميقة وراسخة حيال ما نقوم به".

مشهد لا ينسى
اما المسعف روجيه باسيتوس فلا يمكنه ان ينسى ما رآه وشعر به خلال احد عمليات اجلاء المدنيين حيث وصف المشهد قائلا : " خلال اخلائنا لل 15000 نسمة من داخل المخيم طلب منا احد الاباء ان نخلي طفلته ووالدتها اللتين كانتا محاصرتين في الداخل . وكانوا من اول الاشخاص الذين قمنا باخلائهم وما اتذكره هو عيون هذه الطفلة التي لم تكن قادرة على الكلام بل كانت قادرة على التعبير عن الخوف و القلق . وبما انني متزوج ولدي طفلة فيمكن لهكذا موقف ان يلعب كثيرا على مشاعري. مما جعلني اتسال ما ذنب هذه الطفلة وما ذنب هذه الام التي كانت تبكي على طفلتها الخائفة وما ذنب الاب حتى ينتظر خارج المخيم باكيا من شدة القلق والخوف على عائلته المحاصرة "

"الله يكون معك "
انا حين توجهت الى هنا كنت احمل زخما كبيرا من المعنويات التي اعتطني اياها زوجتي وكلمة " الله يكون معك " تكفيني لكن طبعا يبقى قلق الام وخوفها يؤثر في كثيرا لذلك فانني احاول دائما ان اطمئنها واطلب منها ان لا تخاف وتقلق لانني بخير ولانني اريد ان اركز في عملي اذ اعتبر بانني اترجم وطنيتي في هذا المكان بالتحديد مثل اي عنصر من عناصر الجيش الذي يقوم بواجبه بالدفاع عن وطنه.

المسعفون الشهداء


منذ عدة ايام احيت فرق الاسعاف الاولي في الصليب الاحمر اللبناني الذكرى الاولى لاستشهاد المسعف "ميخائيل جبيلي" الذي فضى في 11 آب من العام الماضي حيث اطلقت الطائرلت الاسرائيلية نيرانها على قافلة مدنية نزحوا من بلدة مرجعيون الجنوبية وكانوا يحاولون اللجوء الى مكان اكثر امناُ وسلاماُ. فلم تكد القافلة تصل على مشارف كفريا في البقاع الغربي حتى انهمرت عليها نيرن القذائف .

وبعد اقل من سنة ايضا سقط للصليب الاحمر اللبناني مسعفين في اثناء اداء رسالتهم الانسانية على مشارف نهر البارد . وهم متطوعون لبسوا رداء الرحمة ليكونوا الى جانب المصابين والمستغيثين وانطلقوا باندفاع انساني صوب المتألمين وما همهم في الميدان الا "الانسان" .

ولم يكن يعلم المسعفين" بولس معماري" و"هيثم سليمان" ان نداء الاستغاثة الذي تلقياه في الحادي عشرمن حزيران الفائت من وراء مربص لمدفعية الجيش سيكون طريقهما نحو الشهادة حيث خسروا حياتهم وهم في طريقهم لانقاذ حياة الآخرين.


بتول خليل - البلد 24 آب 2007


Sunday

الفضائيات العربية... بين السمّ والعسل

لم يعد التلفزيون في عصر الفضائيات وسيلة اعلامية او ترفيهية او توجيهية فحسب،بل اضحى شريكا ً كاملا وفردا من عائلة كل بيت ،حيث تختزل فيه اساليب حياة قائمة بذاتها من تلفزيون الواقع الى حياة البراري ونقل الحروب والانتخابات و الاحتفالات والحفلات الموسيقية وبرامج الالعاب والبرامج الوثائقية والتعليمية والتوجيه الديني والسياسي والتاثير الدعائي بكل اشكاله والوانه وارشيفا يضخ احداث التاريخ ويقدمها شاهدا حيا لكل الاجيال..ا ولعل البلورة السحرية التي جاء ذكرها في الاساطير حيث كانت تمتلك القدرة الخارقة على اظهار كل ما يحصل في اقاصي الارض قد اصبحت واقعا في عصر الفضائيات وما تسميتها الحديثة الا جهازالتلفزيون.

تشغل القنوات الفضائية حيزا لا بأس به حيث تبث حوالي 150 محطة عربية برامجها حول العالم لتصطاد المشاهد العربي اينما كان . وتتبنى هذه المحطات اهدافا و مبادئ تاخذ طابعا ايديولوجيا و فكريا و هي تسعى بالدرجة الاولى الى التغيير والتطوير و تحقيق الانفتاح على الاخر في عصر باتت العولمة سمته الاساسية.

وسائل الاتصال لم تعد باتجاه واحد
ومن التغيرات الجوهرية التي حدثت في عصر السماوات العربية المفتوحة أن وسائل الاتصال لم تعد تعمل في اتجاه واحد، من الحكومة إلى الشعب، بل أصبحت تعمل أيضا في الاتجاه المعاكس فقد ظهر ذلك جليا في السنوات السابقةخلال التغطية الاعلامية الواسعة لانتفاضة الأقصى الثانية بما حملته من مظاهر الوحشية الاسرائيلية في قتل الأطفال العزل مثل محمد الدرة، والتي اشعلت المشاعر العربية التي كانت قد جندت في العقودالأخيرة بعد الغزو العراقي للكويت، فخرجت الجماهير العربية تعلن غضبها ليس فقط على إسرائيل بل أيضا على سلبية النظم العربية ما اضطر هذه النظم إلى اتخاذ اجراءات من بينها سحب السفير المصري من تل أبيب، وتجميد نشاط المكاتب الاسرائيلية في دول المغرب العربي وسلطنة عمان وقطر حتى وإن كان ذلك لفترة مؤقتة، لكن الأمر المؤكد هو ان الفضائيات العربية استطاعت أن تنقل صور التظاهرات الشعبية من المحيط إلى الخليج، وهي صور ضاغطة على صاحب القرار ليس فقط في المحيط العربي بل أيضا في المحيط الدولي .

تعدد المصادر
اصبح هناك اكثر من مصدر يلجأ اليه المشاهد العربي الذي كان محصوراً بالمعلومة والتوجيه الخاضعين لاجهزة الاعلام المحكومة من اجهزة المخابرات. وذلك بعد ان اصبح واضحا الفشل الذريع للمحطات التابعة للحكومات امام ما تقدمه المحطات الخاصة التي شهدت نجاحا واسعا في مختلف انواع البرامج. فقد سقطت بالفعل وسائل التعتيم وفرض الرقابة على وسائل الإعلام، التي كانت موضة عربية في السبعينات والثمانينات حتى منتصف اتسعينات .

صلة وصل
وعلى اثر ذلك ظهرت المحطات الاخبارية المستقلة التي تركز بشكل اساسي على البرامج الاخبارية والحوارية والوثائقية والثقافية وقد ساهمت هذه الفضائيات بنشر مفهوم الحرية و الديمقراطية و تعزيز الوعي لحقوق الانسان الى حد ما وذلك عبر ما تقدمه من برامج حوارية و ارشادية تهدف الى خلق صلة وصل بين المواطن والحكومة.

وقد لقيت هذه البرامج وخاصة السياسية صدى كبير وواسع لدى الشعوب العربية التي نجدها تتفاعل بقوة مع كل يتناول قضاياها .

التأثير السلبي
و رغم ذلك لا نزال نشهد بعض البرامج التي لا تسعى الا الى التاثير السلبي على الفكر العربي من خلال بث افكار تروج للمفاهيم الاصولية و الاسلام المتشدد وخلق التفرقة بين الشعوب و هذا ما يحتاج الى مراقبة و مطالبة بالغاء هكذا نوعية من البرامج لانها تشوه صورة الانسان العربي امام العالم .
ومن المؤكد أن وجود مثل هذه القنوات المضلِلة تلقي عبئًا ثقيلاً على المؤسسات التعليمية من المدرسة إلى الجامعة، ودورًا أكبر للمؤسسة الدينية في غرس القيم الصحيحة والتعاليم المناسبة ما يؤدي إلى خلق وسائل دفاعية ضد أي غزو ثقافي أو إعلامي سيئ المضمون .. حتى نضمن تخريج جيل من النشء والشباب غير مشتت ثقافيًا وفكريًا.

تجاهل الاهتمامات

من جهة اخرى ، يبدو أن بعض المحطات الفضائية العربية والقائمين عليها ، قد تجاهلوا اهتمامات الجمهور وخصائصه المحلية ، بحيث جاءت بعض هذه المضامين نسخة طبق الأصل من برامج أجنبية ، فكانت بذلك تقليداً سمجاً ، متوهمة أن ذلك سوف يساهم في تعزيز انتشارها ويحقق بالتالي نجاحها. كما أن طروحات بعض تلك البرامج فيها من " التحرر " والتطرف والمغالاة والخروج عن القواعد السلوكية والأخلاقية الموجودة داخل مجتمعاتنا الشيء الكثير ، ذلك أن الخوض في مثل هذه الموضوعات ومحاولة معالجتها في إطار تلفزيوني سوف يعود بالضرر الكبير ، كونها تتنافى مع الجانب القيمي والأخلاقي وحتى الديني . غياب الهوية

فمن برامج الواقع حيث " العرسان " و "عارضات الزياء و المصممين و" فناني المستقبل " ،نجد ان ذلك يؤشر الى حالة غياب الهوية لتلك المحطات الفضائية ، بالإضافة إلى الخواء الفكري والثقافي ، وغياب الخصوصية المتفردة ، بسبب وهم القائمين على تلك المحطات بأن تقديم مثل هذا النوع من البرامج ربما هو الطريق المؤدي إلى الحداثة والمعاصرة ومسايرة ركب التطور العالمي !!

البديل الافضل
ولربما استطاعت بعض هذه البرامج النفاذ إلى شريحة من جمهور المشاهدين ، مستغلة القدرة التأثيرية للتلفزيون وغياب البديل الأفضل ، إلا أننا نقول بأن تلك الشعبية التي حققتها هي مؤقتة وطارئة ، بحيث أنها سرعان ما تتلاشى أمام المضامين الجادة والرصينة .

ولكن لا نقف ضد برامج الترفية والتسلية بقدر ما نطالب بتناول القضايا التي تهم المشاهد العربي ، من خلال التركيز على ما هو جوهري وأساسي والابتعاد عن كل ما هو هامشي وطفيلي.

رهان خاسر
نجد أن الفضائيات العربية مطالبة الآن أكثر من أي وقت مضى بإعادة النظر في استراتيجياتها من خلال وضع الأسس الصحيحة لبناء إعلامي حقيقي ومنظم وهادف ، يعتمد مبدأ التخطيط والتنظيم ، بهدف امتلاك شخصية متميزة ترسخ نجاحها وتعزز وتوطد جماهيريتها ، بدلا من الاعتماد على حالات جزئية طارئه ومؤقتة ، كالتركيز على المذيعات الجميلات والمضامين الهشة ، والبرامج الجاهزة المستوردة ، ذلك لأن مثل هذه العناصر ربما تساهم في جذب الجمهور بشكل مؤقت ، ولكن المراهنة على ديمومة ذلك واستمراريته هي رهان خاسر بالتأكيد .


بتول خليل- البلد 19 آب 2007