Sunday

الثالث عشر من نيسان.. هل تعلمنا الدرس... ماذا يقول الشباب ؟

الثالث عشر من نيسان ليس مجرد شرارة اطلقت الحرب في لبنان عام 1975.. 13 نيسان ذكرى وعبرة لآلام ومآس لا تنتهي، كتبها الرصاص ونحتت في جسد لبنان شظايا القذائف، واصمّ دوي المدافع آذان العقل والضمير ،فعندما يبدأ نعيق المدافع يعلو صوت الوحشية ويموت الضميروالمنطق..

كُتب عنك الكثير يا "13 نيسان".. ربما لم يبق شيء لنكتبه نحن
جيل ما بعد الحرب، نحن الممهورة ذاكرتنا بصور المأساة ، نحن الذين شوّهت ماضينا اخبار الحقد ولطّخت طفولتنا عتمة الدم الذي انتهكت حرمته في حرب الاخوة وحرب الغرباء وحرب ابناء الوطن الواحد..


مسكينة طفولتنا.. تلك التي بدل ان تكون مليئة بقصص الملائكة واخبار الجنّيات وقصص الهر ذو الجزمة الذهبية والاقزام السبعة والسندريلا .. فطفولتنا مشبعة بقصص عن انتقائية الموت وصراع الحياة التي كانت بيأس تبحث عن مكان لها من بين الركام الذي خلّفته تلك الحرب..
طوابير الجياع على الافران،الاطراف المقطّعة وعويل النساء ويتم الاطفال، وقصص المخطوفين وأهلهم الساعين إلى وساطة الزعماء لتخليص فلذات أكبادهم من الأسر والقتل ،الطرق الخطرة والآمنة، القناصين وصيادو البشر،زعيق سيارات الاسعاف، القصف العشوائي، رائحة البارود، الملاحق الإخبارية ، الحواجز الطيارة والقتل على الهوية واللهجة واللكنة، صفوف أكياس الرمل والمتاريس التي تملأ الشوارع ومداخل الأبنية والشرفات، تلال الرمل التي تسد المعابر وأطراف الشوارع...

حرب اهلية، حرب طائفية، حرب الآخرين في لبنان، الحرب اللبنانية، كلّها ذكريات ومسمّيات كانت تجد من يتفنن في اختراع التسميات واطلاق الشعارات، وكتابة الكلمات في تأبين الشهداء ام القتلى..لافرق، المهم انهم ضحايا تلك المجنونة الوحشية المسمّاة " حرب"..فليسمع و ليفهم الجميع.. الحرب ايها اللبنانيون امر فظيع بالفعل!

ولأن الحرب والصراع على امتداد السنوات التي تلت 13 نيسان اتخذت اشكالا والقابا عدة، الطبقية، الطائفية، المناطقية، العقائدية، ووجوه ربما اضمحلّت ولم نسمع عنها واصوات لو كانت على قيد الحياة، لربما كانت قالت الكثير واعطت الكثير.. تلك الاصوات التي نقول دائما انها باقية لكن الكثيرون لا يريدون سماع صوتها لانها تشبه صوت الضمير، لانها بلا شك اصوات ملؤها الحسرة على مآل الوطن ومستقبله..لان الذين رحلوا لاجل لبنان الافضل ولمستقبل اكثر املا واشراقا.. ولان المستقبل عنوان الشباب ولان الماضي عنوانه العبر، ولان 13 نيسان قدر وتاريخ يمكن ان يعيد نفسه بايد وعقول جديدة.. توجّهنا لعيّنة من الشباب اللبناني الطالع من مختلف التيارات والاحزاب التي شاركت او لم تشارك بالحرب الماضية، لنسألهم عن معاني التجربة التي مرّت على وطنهم واهلهم وعن ارث الحرب وعن التطلعات التي تفضي بنا لبناء وطن افضل دونما حروب موسمية نتوارثها جيل بعد جيل.

من عين الرمّانة ومن نفس المكان الذي انطلقت منه الرصاصات الاولى على البوسطة وعلى لبنان، ابتدت الاسئلة وابتدأ الكلام..

خطيئة اتفاق القاهرة
شربل قزي ( 24 سنة) يعتبر ان " 13 نيسان اتى كرد على خطيئة اتفاق القاهرة عام 1969 والذي سمح باستباحة لبنان للعناصر الغريبة كي يعيثوا فيه الفوضى، وكان ردّا للقوى السيادية التي كانت تريد لبنان وطنا آمنا لجميع ابنائه، لا ساحة صراعات ولا الجبهة العربية الوحيدة ضد اسرائيل، والتي اصبحت حجة للفلسطينيين الذين حاولوا ان يتّخذوا لبنان كوطنا بديلا عن وطنهم الاصلي، وحلبة يتصارع عليها العرب واقطاب الحرب الباردة."

ويضيف قزي :" اخشى ما اخشاه ان يعيد التاريخ نفسه، وان يتكرر استقواء البعض من اللبنانيين بالخارج و بالغرباء على ابناء وطنهم، وان نصل للنتيجة نفسها حيث انّه ولو اختلفت الشخصيات والجهات الا ان الظروف التي ادّت الى اشتعال الحرب والفتنة سابقا قد تؤدي الى اشتعالها مجددا."

الحرب خراب على الجميع
خطوات قليلة.. وها نحن في الشيّاح ، عبرنا ما كان يعرف بخط التماس المشؤوم في الماضي، ليطالعنا هادي سليم(26 سنة)بنظرة مخالفة تماما عن 13 نيسان وعن الحرب ويقول: " حرب السنتين كانت ضد فئة كانت تمسك بلبنان وثرواته وتحتكر الحكم فيه على حساب فئات مقهورة ومغبونة كانت تعيش مسحوقة ودون حقوق في وطنها، لكننا الآن نتطلّع الى تخطّي آثار الحرب وتخطّي كل سلبياتها لتكون دروسا مستفادة بان الحرب هي خراب على الجميع، وان الحوار والمساواة بين ابناء الوطن في الحقوق والواجبات هو ما سينهض بلبنان، وان الحرب التي طحنت رحاها اللبنانيين في ما بينهم قد ولّت الى غير رجعة وعلى 13 نيسان ان يكون دعوة متجددة لجميع اللبنانيين لنبذ الحرب ولغتها والوقوف يدا واحدة وللعمل على بناء لبنان وللوقوف بكل ما يهدد كيانه ويحفظ استقراره ويمنع الطامعين والمعتدين من تحقيق اهدافهم ولمنعهم من النفاذ واللعب على التناقضات فيما بينها."

البندقية هي الرد
ومن زغرتا يحدّثنا طوني فنيانوس(24 سنة)وهو احد الذين يرون ان الحرب تفرضها ظروفها واهدافها ويقول:" كما حصلت الحرب سابقا يمكن ان تحدث الآن في ظل التعصّب والتحجّر عند الاطراف التي رهنت قرارها للخارج، اذ انه في ظل التعنّت واالامبالاة التي تبديها هذه الاطراف المتمسّكة بالسلطة حاليا، عليهم ان لا يتوقّعوا منّا الصبر وضبط النفس الى ما لا نهاية، ونحن لن نسكت امام المحاولة لالغائنا واتهامهم لنا بالتبعية او انكارهم حتّى لوجودنا. وانا ارى ان البندقية هي الرد على التجاهل لمطالبنا المحقّة بالشراكة وانّه في لحظة ما سنتجاوز حتّى زعمائنا في حال استمرار الاستفزازات والاعتدائات على رفاقنا واهلنا."

كفرت بكل الاحزاب
اما رلى عبيد ( 22 سنة) فترفض الافصاح عن منطقتها حرصا على عدم اتهامها بالمزايدة وتقول : " انا مواطنة لبنانية وكفرت بكل الاحزاب، و13 نيسان هو ادانة لكل الاحزاب والزعماء اللذين شاركوا بالحرب، اذ ما من ثمن يستحق سفك دماء مئات الالاف والذين اغلبهم مواطنين ابرياء، وانا ارى ان على كل لبناني ان يكون مواليا فقط للبنان ولمواطنيه، وان يكفر بجميع الاحزاب والتيّارات وينضوي تحت لواء المطالبة بالوحدة الوطنية وان يطالب بالسلام والحياة الآمنة.
والحرب سابقا كانت بالتبعية العمياء للزعماء الذين خانوا وطنهم عندما وجّهوا البنادق الى لبنان ليغتالوه . وانا واثقة بانهم على استعداد لتوجيه بنادقهم للبنان مرّّة اخرى. ونريد من الحرب ومن ذكرى 13 نيسان ان تكون شاهدا على عبثية القتل وعلى عبثية الكره الذي ينمّي الاحقاد بين ابناء الوطن الواحد."

الحرب رهن القرار الاقليمي
ان 13 نيسان كان صافرة البداية للاحداث الاكثر دموية التي عصفت تاريخ لبنان الحديث وذاكرة ابنائه. هذا ما يقوله الطالب ،المغترب في فرنسا، كمال محي الدين(24 سنة) والذي يعتبر ان " الحادثة، لم تكن سبباً لما تلا ولا نتيجة لما سبق من تحولات على المسرح اللبناني، بل تقتصر على كونها تأريخاً رسمياً معممّاً لما اصبح يعرف بالحرب الاهلية." ويضيف :" الحرب كانت قراراً اقليمياً بالمواجهة على ارض لبنان، البلد الضعيف الكثير التجاذبات و الطوائف و العصبيات، المفتقد للهوية الواحدة الموحِدّة للوطن، بقضاياه المحقّة المتعدّدة و المتناقضة، كثير من نقاط الضعف في التركيبة اللبنانية، شكّلت الدوافع الكافية و الذرائع المقنعة للشرائح المتناحرة للقبول بوضع نفسها ادوات و وقوداً في آن واحد للدول الاقليمية و كل من اراد دخول اللعبة و تصفية حسابات مع اللاعبين الاخرين في تلك الحرب الضروس."
امّا اليوم، فيعتبر كمال انه "على الرغم من الاستراحة او الهدنة الرسمية الاخرى المعلنة في اتفاق الطائف، فان اي تغيير في التركيبة الهشة لم يطرأ، ما يعني ان لبنان الساحة ما زال يشكل الارضية المناسبة لتصفية الحسابات و ايجاد الحلول لازمات المنطقة، و اندلاع الحرب رسمياً رهن القرار الاقليمي".

"و بالنسبة لنا كشباب لبناني، فالسؤال الوحيد الذي يطرح نفسه اليوم بعد عجزنا و من سبقونا عن احداث تغييرات جذرية في المجتمع، هو بمدى تجاوبنا مع قرار الحرب، او بالاحرى رفضنا التام له، عبر عدم الانصياع الاعمى وراء الاحزاب اللبنانية المتناحرة التي تتشكّل بزعمائها و قضاياها، الادوات الرئيسية لمشروع اي حرب جديدة حُدّدت سلفاً في عواصم القرار. ان هكذا قرار لا يمكن الّا ان يكون ثمرة وعينا لنتائج الصراعات الاهلية القادمة و التي لن تختلف عن سابقاتها الّا ببعض التفاصيل كاسماء الشهداء وبعض التواريخ.. تواريخ كـ 13 نيسان".


ان 13 نيسان كان نارا اشتعلت من تحت الرماد والذي نخشاه ان تتكرر هذه المأساة بيوم آخر وتاريخ آخر وهدف آخر.. فهل تعلمّنا نحن اللبنانيون الدرس جيدا، ام اننا سنسقط ويسقط معنا الوطن مجددا في هوّة التعصّب والاحقاد والحماقات؟

بتول خليل- 13 نيسان 2008