Thursday

سمير قصير.. وريث النهضويين العرب

لانّه الثائر بالكلمة و الرائد بالفكر و اللامع بالحضور و الحاضر بالغياب.. لانه صاحب الابجدية المميزة روحا مضمخة بالثقافة و الفكر و الابداع و التميّز. لانّه سمير قصير الذي لا يمكن للكلمات ان تصفه مهما كبرت او كثرت.. لانه العروبي اللافئوي و اللاطائفي الذي حلم دوما بالجمهورية التي نحلم بانّها ستتجسد ذات يوم،اغتيل. فاغتيلت حرية الكلمة على مساحة الوطن اللبناني و العربي على حد سواء

من جريدة النهار حيث قضى سمير الكثير من نهاراته و لياليه مناضلا بالقلم، يحدّث عنه زميله في القلم الكاتب الصحافي و المحلل السياسي جورج ناصيف مسطّرا شهادة متميّزة في الراحل الكبير.

رجل متعدد الابعاد

سمير قصير هو نقطة التقاطع بين الصحافي اليومي الذي يتابع الاحداث والمؤرّخ الذي يتخذ موقفا تاريخيا تدقيقيا، فيقرأ الاحداث بعين المؤرّخ و المناضل السياسي الذي لا يكتفي بان يمارس دوره الصحافي من خلف مكتبه، انما يتصدّى لممارسة دوره من خلال فعل سياسي تمثّل بمشاركته في تأسيس حركة سياسية جديدة. فسميركان من مؤسسي حركة اليسار الديمقراطي،و من ملهمي انتفاضة 14 آذار.

و يرى ناصيف بان سمير قصير كان رجلا متعدد الابعاد فيقول:" لقد كان سمير نقطة التواصل بين المثقّف السياسي و المثقّف على وجه عام، بمعنى انّه كان ذا باع طويل بالشؤون الثقافية و الفنية و شؤون المسرح والسينما. لذلك استمرّلمدّة عام كامل بكتابة تعليقه الثقافي، مضافا الى تعليقه السياسي في صحيفة النهار والذي كان يتناول فيه شؤونا ثقافية و فنية محضة. فضلا عن المجلّة التي انجزها “ L’Orient Express” و التي هي مجلّة ثقافية بامتياز.بهذا المعنى فانّ سمير هو الجسر الواصل بين الثقافة و السياسة و العمل النضالي اليومي و العمل الثقافي على حد سواء.،يضاف الى ذلك عمله كأستاذ جامعي".

ولطالما كان البعد الثقافي حاضرا في مقالات سميرقصير، هذا ما يؤكده ناصيف اذ انه " من الصعب ان نعثرلسمير عن مقال سياسي صرف، فكل مقال سياسي له كان مشبعا بفعله الثقافي و لا يمكن الفصل بين بعده السياسي اللحظوي و ما بين بعده كمؤرّخ. و كل مقال له كان ينطلق من اللحظة الحاضرة ليعانق الابعاد التاريخية و ليضع هذه اللحظة السياسية المحددة في اطارها التاريخي و السياسي العام".

بهذا المعنى كان سمير مبدعا في هذه المجلات المعددة، ففي كتاباته السياسية لم يكن فقط يسجّل الاحداث و يقرأ ما يجري، انّما كان يحاول التطلّع الى المستقبل و يحاول ان يستشفّ معالمه من خلال قراءته للحظة الحاضرة معطوفة على بعدها التاريخي كمؤرّخ معاصر أعاد كتابة "تاريخ بيروت" و أعاد تأريخ محطات من الحرب اللبنانية بطريقة علمية.

رسالات متعددة

كان لسمير رسالات متعددة، اولا ان يؤكّد ترابط المعركة بين لبنان و سوريا و فلسطين. فهو فلسطيني الاب، سوري الام، لبناني المولد، وعربي الانتماء. لذلك كان مهتما شديد الاهتمام بالمعركة الديمقراطية العامة التي تتيع هذه البلدان الثلاثة. يؤكّد ناصيف انّه "كان موقنا ان لا معركة حرية في لبنان ان لم تترافق مع معركة الحرية في سوريا، وكان موقنا ان معركة لبنان ايضا شديدة التماس مع معركة الحرية في فلسطين. امّا البعد الثاني فهو دعوته الى دخول العالم العربي الى الحداثة و العصرنة والفكر الحر والديمقراطي، والحداثة بمعناها العميق و ليس بمعناها الظرفي و العابر العجول".

وريث النهضويين العرب

سميرالمتطلع الى ثقافة عربية جديدة ونهضوية تستأنف تراث النهضة العربية،" يعدّ وريث النهضويين العرب منذ الكواكبي مرورا بجميع الكتّاب النهضويين.فهو من اللذين كتبوا عن واقع البؤس العربي في كتابه " تأمّلات في شقاء العرب"، الذي كتب بالفرنسية ثمّ ترجم الى العربية. ويعرض فيه سمير ملامح فكره المستقبلي عن الواقع العربي. وبهذا المعنى يندرج سمير ضمن هذه الكوكبة من المثقفين والرياديين العرب".

الريادية لها ثمن

سمير قصير المفكّرالريادي و الأكاديمي الناجح، هل دفع ثمن ريادته؟ يجيب ناصيف انّ " الريادين يدفعون ثمن ريادتهم، و التافهون الباقون في اسرّتهم وبيوتهم وكتاباتهم البليدة والتافهة هم الذين لا يدفعون شيئا. فالريادية لها ثمن، اضافة الى المواجهة التي كانت جزءا من شخصية سمير، تلك الشخصية المتوثبة والصدامية، اضافة الى انها شخصية لا تهادن و تعلن حقيقة ما تراه، شخصية لا تتستّر على الاشياء،و شخصية تبادر وتقتحم. ولهذا فقد دفع سمير قصير ثمن رياديته و ثمن شخصيته التي تأبى الصمت و الخنوع و المساومة و تأبى التسوية الرخيصة".


ربيع لبنان وربيع دمشق

حدثان مفصليان طبعا سمير بشكل كبير، الاوّل هو" انتفاضة 14 آذار" و الثاني هو الحركات الاوّلية للتغيير الديمقراطي في سوريا المتمثلة بانشاء الاندية الديمقراطية، اي مساحات الحرية و النقاش في سوريا. فتطلّع سمير الى ربيع دمشق من خلال منتديات الرأي و الحرية، و تطلّع الى ربيع لبنان من خلال" انتفاضة 14 آذار". هذان مفصلان اساسيان رسما طريق سمير وحدّدا فكره بشكل جديد".

ويروي ناصيف كيف ان سمير" اعتبر ان" انتفاضة 14 آذار" مثل ابنته حيث اسماها بوليدته، فهو شارك مشاركة كبيرة في اطلاقها وامدادها بالحياة ومنعها من ان تتكلّس. لذلك كان مهووسا بما يدعى بالانتفاضة في الانتفاضة ( عنوان مقالته الشهيرة)، او موقفه بان " الاحباط ليس قدرا" وذلك من اجل ان يمدّ الانتفاضة بالمثابرة والتقدّم و بالانتصار على ذاتها و على ترهاتها و مفاسدها. اي اراد ان يكون بهذا المعنى ضميرا لهذه الثورة التي اوجدها في لبنان".

محور التحرّك الشبابي

وعن علاقته بالشباب يؤكّد ناصيف انّه " لم يكن يمرّ يوم دون ان يأتيه عشرات الشباب سائلين رأيه بالشؤون الثقافية و الفكرية، ان كان من شباب الانتفاضة او من شباب الجامعات او الطلاّب الذين كان يدرّسهم. كان محورا للتحرك الشبابي ولهذا لا يمكن لسمير ان يمحى من الذاكرة".

من اغتاله هو المستبدّ

بسبب هذه الخلفية اغتيل سمير،و لانّه كان يرفع صوتا ضد الاستبداد و الرجعية العربية المتمثلة بالأنظمة البائدة و المستبدة كما يصفها ناصيف :" سمير كان خطرا على الزنازين و على المستبدّين العرب و على الانظمة العربية القمعية التي تودّ تكميم الافواه. فهو كان صوتا مدوّيا وصدّاحا ضد هذه الانظمة، بالتالي ارادت ان تسكته".

لم يرحلوا برحيل سمير

ويتحدّث ناصيف عن الآثار المتعددة التي تركها سميرقصير و يقول:" اولا، ترك آثارا فيما كتب و بخاصة الكتابة السياسية و التاريخية. نعود الى كتابه عن تاريخ بيروت وكتابه عن فلسطين وكتبه في المسرح اللبناني و الثقافة اللبنانية . وترك سمير ارثا كبيرا على المستوى الثقافي وهذا امر اساسي جدا. فماذا يطلب من المثقّف ان يترك غير آثاره و فكره وكتبه. اضافة الى ذلك، فقد ترك سمير العديد من الطلاب الذين تخرّجوا على يديه و الذين تشرّبوا فكره و قلمه ورؤياه.

و ترك سمير اثرا واقعيا وعملانيا على وعي في عرفوه و قرأوا له و بالتالي نهلوا من نبعه الثقافي والفكري. وهؤلاء جميعا باقون ولم و لن يرحلوا برحيل سمير. لكن لا يمكن ان نقيس هذه الامور بالقياس الكمّي، اذ ليس من تغيير ممكن ان يحدث بين يوم و آخر. فالتغيير عملية تراكمية بطيئة ومديدة تحفر حفرا في داخل الاشخاص. بهذا المعنى فانّ تغيير سمير لا يمكن قياسه بما هو تغيير لحظوي، اي بالتأكيد لا يمكن ان ينتج انقلابا عسكريا او ان ينتج ثورة مسلّحة وما الى ذلك. وما يستطيع فعله هو ان يشدّ وعي الكثيرين الى الحداثة و العصرنة و الحرية و الديمقراطية. و اعتقد ان كلّ من عرفوا سمير و قرأوه ، جعلهم يبلغون في هذا رحاب الديمقراطية بل و يتعطّشون الى الديمقراطية و محاربة الاستبداد" يختم ناصيف.


بتول خليل
تموز - 2008