Saturday


                          أحراج لبنان وخطر الانقراض!

إن كنت من الجيل الصاعد وتنامى إلى سمعك ذات يوم أغنية عن لبنان الأخضر او انه " قطعة سما" ، فلا تعجب وتشغل نفسك بالسؤال عن إن كان المقصود هو نفس هذا اللبنان الذي تتشح سماؤه بالسواد نتيجة للحرائق السنوية التي تجعله كقطعة من الجحيم. فالاحراج اللبنانية باتت أشجارها كمجموعة من أعواد الثقاب التي حدد  لها المسؤولون مهمة الاحتراق والتفحم لا أكثر. ولمن يهمه التمحيص في الأرقام لتدله على ما كان وما أصبح وما سيكون من لبناننا الذي سنخبر أحفادانا بأنه كان أخضراً ذات يوم ، فإن للارقام التي نشرتها وزارة البيئة مؤخرا  دلالة بالغة  في هذا الاتجاه.  فقد جاء في النشرة، أن  الغطاء الحرجي في لبنان تراجع في السنوات الاخيرة حتى بلغ 13 % بعدما كان 35 % في السيتينات و 22 % في السبعينات.

  وازاء هذا الواقع الكارثي يحتار المواطن إلى أي جهة  يشير بإصبع المسؤولية عن هذا الإجرام بحق لبناننا. فمن وزارة الزراعة إلى وزارة البيئة إلى وزارة الداخلية والبلديات تضيع الأسئلة وتضيع الأجوبة ويضيع المزيد من الثروة الحرجية...وحتى الآن لا تباشير تعد بخطة وقائية لعدم اندلاع الحرائق بداية، او لمحاصرة الحرائق قبل انتشارها. وهذه الازمة ليست وليدة الامس، فالحرائق و قطع الاشجار بات مسلسلاً بحلقات كثيرة يتكرر و يتفاعل سنوياً مع مفارقة تسجّل بالتزامن، مفادها ان نسبة المساحات الخضراء آيلة الى الزوال رغم حملة تشجير من هنا أو توزيع غرسات من هناك.

و لم يفت الأوان  لقرع ناقوس الخطر للتكاتف بين جميع الجهات المعنية،  ولتنصيب الجهود الوطنية لدعم خطة الحفاظ على الغابات و الاحراج من اي اعتداء. فبعد برنامج عمل وزارة البيئة للسنوات 2010- 2012 و الذي جاء في احد بنوده " التحريج و الادارة المستدامة للغابات و التصدي لحرائق الغابات". يفتح هذا الامر الباب امام وجوب تكامل جهود كل من وزارة البيئة ووزارة الزراعة  والبلديات  التي من اولى مهامها في هذا الاطار هو تفعيل دور حرّاس الاحراج و تشديد الرقابة على حسن تطبيق القوانين و اعطاء الرخص. اذ تفترض الاصول ممارسة وزارة الزراعة مهمتها في رقابة يومية تضمن حسن تطبيق شروط اعطاء الرخص لقطع او تشحيل الاشجار. الا ان ثمة عوامل عدة تعيق عملها، منها قلة عدد حراس الاحراج في لبنان عموماً، و عدم توافر وسائل نقل لتسهيل تنقلهم في اي وقت.و يتطلّب تعيين حراس الاحراج مرسوماً يوقّع عليه مجلس الوزراء، وهنا تكمن "العقدة" في عدم تعيين العدد الكافي من هؤلاء الحراس واتخاذ التدابير اللازمة لحماية الغابات، لتقع البيئة بدورها ضحية التجاذب السياسي والشلل على المستوى الإداري عموماً في لبنان. ويبدو ان وزارة الزراعة إحدى ضحايا هذا الواقع، خصوصاً أنها تعاني من شواغر ضخمة في إداراتها وقطاعاتها وصلت الى حد 80 %.
وكان لافتاً ما كشفته المديرة العامة لجمعية الثروة الحرجية و التنمية سوسن بو فخر الدين عن وضع حراس الاحراج في لبنان و اسباب حدوث المخالفات رغم وجودهم. فعددهم  200 حارس فقط موزعون على 24 مركزاً على الاراضي اللبنانية. ما يعني ان ليس كل مناطق لبنان تحتوي على مراكز لحراس الاحراج". 

و يمكننا فهم مدى الخلل الحاصل في الحفاظ على الثروة الحرجية من خلال الاطلاع على المهمات الاساسية المنوطة بحراس الاحراج و التي حددها القانون بتطبيق قانون الغابات الذي يتضمن الاعتداءات وكل المهمات التي يمارسها الناس في الغابات كالتشذيب والتقشيش وتنظيف الاراضي او تغيير وجهة استعمال الارض و غيرها من الاعمال التي يجب على من يريد اجراءها ان يقدم طلباً الى مكتب حراس الاحراج في منطقته، و الذي يحولها بدوره الى مديرية الاحراج في وزارة الزراعة التي تملك الصلاحية للموافقة على مثل هذه الطلبات والنظر في مدى ملاءمتها لشروط السلامة الحرجية والبيئية. و يناط بحراس الاحراج الاشراف على تطبيق ما ورد في الرخصة وهم يقومون بعملهم بشكل مستقل عن  البلديات ومراقبة وضبط أي مخالفات قد تقوم بها البلديات في هذا الإطار.
إذا، وفي حال لم تقم الجهات المعنية بزيادة عدد الحراس والتشدد في الرقابة وتطبيق القوانين التي تحمي الثروة الحرجية، فإن   كل ما تعلنه الوزارة عن خطط لتحسين وضع الاحراج و تفعيل الرقابة سيظل يعاني من نقص اساسي لناحية التطبيق على الأرض. فالقوانين بحاجة لمن يفرضها ويراقب حسن تنفيذها،  ذلك ان الاسباب التي تكمن وراء خلل الرقابة باتت كثيرة و بحاجة الى حل جذري.

 وتظهر جمعية الثروة الحرجية و التنمية اسباب عدم فعالية دور حراس الاحراج في لبنان وعدم تمكنهم من القيام بالدور المطلوب.  فالامكانات ضئيلة، وعدد الحراس قليل وبالتالي فان هذا يجعل مراقبة الرخص التي تمنحها مديرية الاحراج في وزارة الزراعة متعذراً ومعدوماً في احيان كثيرة. وتؤكد الجمعية أن "عدم التجهيز اللائق لمراكز الأحراج وغياب الامكانات المادية يحتمان دائما تعيينهم في المراكز الأقرب الى منازلهم، ما يصعب من ضبط المخالفات وتحرير محاضر الضبط لأن المخالفين يكونون في غالب الأحيان من جيرانهم أو أقربائهم أو أصدقائهم".

إن قراءة المعطيات والمؤشرات المستقبلية لا تحتاج الى تأويل،  ففي ظل بقاء التراخي والتباطؤ في التعامل مع الوضع الحرجي الكارثي، لن يكون بعيدا الزمن الذي لن نجد شجرة نستظل بفيّها تحت ربوع الوطن العتيد.

بتول خليل 
15- 1 - 2011