Wednesday


 تشكّل جزءاً من ذاكرة الحرب الأهلية
الأغنية السياسية.." نقاوم من خلالها و نشعر اننا ملتصقين بالقضية"! 
خالد الهبر - مارسيل خليفة
" ودخلت في بيروت من بوابة النار الوحيدة، شاهراً حبّي، ففرَّ الحاجز الرملي، وانقشعت تضاريس الوطن..."، لعلّ هذه الكلمات من أغنية "من أين أدخل في الوطن" للفنان مارسيل خليفة، و التي تبدأ موسيقاها بموسيقى النشيد الوطني الذي يصهرها بقالب وطني مضفياً على قوة الاغنية و كلامها و لحنها و اداءها اكليل الوطن، كأنه يعلن احتكار الوطنية و اصطفافها الى الجبهة التي تنتمي اليها، كانت لتعبّر عن ماهية الاغنية السياسية و دورها في الصراع الذي كان دائراً ابّان الحرب الاهلية في لبنان، خاصة حين يجيب عن السؤال الذي تبدأ فيه الاغنية " من أين ادخل في الوطن؟" ليأتي الجواب " من بابه.. من شرفة الفقراء". هكذا عبّرت الاغنية السياسية عن انتماءها و من ثم استهدافها للطبقية معلنة "يساريتها" الكاملة في حرب اتخذ أحد ابرز عناوينها الصراع بين "اليمين" و "اليسار".
----------------------------------
" الاغنية السياسية  كانت تحمل شعار مرحلة  كما حصل في فترة الحرب الاهلية، اذ  كانت  تخدم توجهاً معيّناً في الصراع الذي كان قائما في لبنان بين " اليمين و اليسار". وكانت الاغنية  تصب في هذا الاتجاه"، يقول سامر حمادة  اليساري الشاهد على مرحلة الحرب. وهو يرى انه "على الرغم من وجود الحواجز بين المواطنين وقتها، الا ان  العمل الفني المميز والراقي كان يخترق كل الحواجز والحدود. فكان العديد من الفنانين الحاملين للقضية مثل مارسيل خليفة و احمد قعبور وغيرهم ،  تُذاع اغانيهم في المنطقة التي كانت تسمى " الشرقية". ورغم احساسنا ان هذه الاغاني تصبّ في قضيتنا " نحن اليساريين"، لتشكّل رصاصة تطلق من الآلة الموسيقية او عبر المذياع.، كانوا "هم" في الطرف الآخر اي في المناطق " الشرقية" يتلقفونها و يتفاعلون معها الى حد انهم يشعرون انها ملتصقة بهم و تعبّر عن تطلعاتهم في بعض الأحيان".

الغيتار مع السلاح!
شربل معلولي  شارك في الحرب الاهلية مع القوات اللبنانية، وكان شاهداً على مراحل ولادة ونضوج الأغنية السياسية ، كما كان من المتابعين لكل ما يبث من أغاني على مختلف الإذاعات اللبنانية، ويقول: "الاغنية السياسية كان لها وقع و اثر كبير عند كافة اطياف الشعب، وكل الفئات العمرية من الشباب الى الاطفال و المتقدمين في السن، فكلهم تفاعلوا معها بطريقة من الطرق". وعن منسوب التأثر، " كان يعلو عندما تهتز القضية الاساسية و في ايام القصف الشديد و المعارك الضارية بين الاطراف المتقاتلة. وكانت الاغنية السياسية ترافق  معظم من يحمل البندقية ليشعر انها سلاح اضافي يحفّزه على القتال و الصمود و الاستبسال، و كأنها  كانت ايضا درع وسلاح في يد المواطن العادي الذي كانت تخلق له الاحساس بانه  مشارك في القتال و تجعله يشعر انه ملتحم مع قضيته". 
ويستذكر معلولي كيف" كان البعض من المقاتلين يحملون مع سلاحهم الغيتار أو آلات موسيقية أخرى الى الجبهة، وتعلوا اصواتهم بالغناء لتصبح أعلى من دوي المدافع واصوات ارتطام القذائف". وبرأيه فإن "الأغنية السياسية ساهمت بشكل جذري بتثبيت العقيدة  التي كان كل المتقاتلين يؤمنون بها كونها –وكل من جهته- تعمل على تاكيد وطنيتهم وانتمائهم، لأن هذه الكلمة كانت منطلقة من عمق المعاناة ومن جوهر حقيقة فهم الصراع".

زياد..محور اجماع المواطنين
زياد الرحباني
لم تكن الاغنية السياسية بالنسبة الى حبيب فاضل تنفصل في بعض الاحيان عن المسرح او عن العمل الميلودرامي الذي كان له هموم وطنية . و اكثر من كان يقارب هذا الامرفي لبنان برأيه"  هو زياد الرحباني من خلال اغانيه التي قدمها في معظم مسرحياته. فكثيرا من اغانيه و التي قدم بعضا منها بصوته وبصوت  جوزيف صقر و آخرين سلطت الضوء على الحالة الطائفية في لبنان. وعبّر زياد من خلال مسرحياته واغانيه تلك عن رؤيا مبكرة وعن  الحالة الاكثر نقاءً  واستطلاعاً مستقبلياً الى ما يؤول إليه الوضع في لبنان. اذ جائت اغانيه  مثل " يا زمان الطائفية" او " قوم فوت نام " و" وراجعة باذن الله"  لتحكي عن واقع البلد المريض المستعصي الشفاء.  كما أن زياد كتب ولحّن أغان  تشكّل اجماعاً محوريا  لدى المواطنين و لو انها كانت تخصّ فئة معينة، لكنها لم تكن ضد من كانوا يسمون بالانعزاليين وقتها، بل كانت تخص قضية الشعب كله. فحين كانت الاغنية السياسية تحكي عن وضعنا المعيشي و الاجتماعي الصعب  في اغنية "يا نور عينييَ...كنا في احلى الفنادق جرجرونا عالخنادق" يتحدث عن خراب لبنان وعن ان الحرب نقلت الكثيرين من الثراء الى الفقر و من الامن الى اللاأمن ، ولإن كانت تطرح  عناوين فاقعة التناقض إلا انه لا أحد بامكانه إلا أن يجمع على صحة ما تعبرعنه".

تأثير موسيقي وادبي
الاغنية السياسية هي نتاج ثقافي يحمل أشكالاً موسيقية و كلامية، هذا ما يعبّر عنه حبيب فاضل حين يقول: "الاغنية السياسية ساهمت بتعريفي على شعراء كبار امثال أحمد فؤاد نجم من خلال أعمال الشيخ إمام، والشاعر حبيب صادق وخليل حاوي و طلال حيدر ومحمود درويش و سميح القاسم من خلال الفنان مارسيل خليفة و غيره .والاغنية السياسية لم تساهم بتشكّل الوعي السياسي لدينا  فحسب، بل و ساهمت ايضا بتشكيل  الحس الادبي و تكوين بداية الانفتاح على الكلمة التي كانت وراء هذه الاغنية. كذلك الامر بالنسبة للحن و الموسيقى، اذ اننا كنا نهتم بكل تكاوين هذه الاغنية و التي كنا نعتبر ان روادها هم امتداد لنا و لقضيتنا و يعبّرون عن تطلعاتنا. وكنا نشعر ان اي نجاح لهم هو نجاح لنا، لذلك كنا مهتمين بكامل تفاصيل الحركة و الاعمال من خلال حرصنا على وجود التسجيلات و جهاز الراديو بصحبتنا في كل نهارتنا و ليالينا .و كثيرا ما كنا نردد هذه الاغاني لنشعر اننا ملتصقين بالقضية والحدث، وان نكون بشكل من الاشكال واقفين على الجبهة و نقاوم من خلال وجودنا على الاقل عبر هذه الاغنية".



ذاكرة الأغنية السياسية

عبيدو باشا
تختلف الاغنية السياسية عن تلك الوطنية وهناك خلط في المفاهيم عند العرب، يقول الكاتب و الاعلامي و المسرحي عبيدو باشا وهو الذي عاش و عاين و شارك و كان على صلة بكل من له علاقة بانتاج الاغنية السياسية في فترة بروزها و امتدادها. و يشرح باشا ان " الاغنية الوطنية هي الاغنية التي تستعمل في الصراع ضد عدو خارجي، اي بوجود مواطنون يحفزون بعضهم كي يعززوا كل مستلزمات الصمود و القتال ضد هذا العدو. أما الاغنية السياسية  فهي ترتبط بمشروع سياسي داخلي، و تقوم على مبدأ غلبة الآخر في الداخل .و يتمتع لبنان بميزة انتاج اغنية سياسية وحده دون سائر البلدان العربية".
و يحمل باشا في ذاكرته تأريخاً اصيلاً للنشاط الغنائي و الموسيقي الشامل في زمن الحرب ، ويتحدث عن ذروة بروز و ازدهار الاغنية السياسية والتي كانت في بداية الحرب الاهلية في لبنان ، اذ "كان الشباب  الذين  انتجوا هذه الاغنية يشعرون بنوع من القمع وانهم فئات لا تستطيع ان تعبّر عن نفسها. فمثلاً خالد الهبر كان وقتها  في التجنيد الاجباري كعسكري احتياط في الجيش اللبناني، أحمد قعبور كان يغني باللغة الفرنسية في دار المعلمين، مارسيل خليفة كان يعمل استاذاً في الكونسيرفتوار الوطني اللبناني، أما سامي حواط فكان عضو في الحزب الشيوعي اللبناني ولم تكن الاغنية السياسية في باله ابداً. و هناك اعداد كبيرة غيرهم ابرزها غازي مكداشي ، وهو شخص اساسي في تجربة الاغنية السياسية عبر اطلاقه تجربة " الكورس الشعبي"، التي طرحت مفاهيم جديدة على صعيد علاقة الناس بالاغنية السياسية".

مناقشة الهوية الفردية و الوطنية
تناولت الاغنية السياسية شبكة العلاقات و الخطابات السياسية بين قضية تحرير المواطن و الانسان، بالمساهمة في تشكيل وعيه الجديد، وقضية تحرير الوطن من زواية اخرى. و يلفت باشا الى ان " اللبنانينون وقفوا امام واحدة من ابرز التجارب في تاريخ لبنان ووجدوا في الاغنية السياسية زواج الموقف السياسي من الموقف الفني و الثقافي، فافتتنوا بذلك. و تعاطت الاغنية السياسية مع مواضيع لم تعالجها الاغاني الاخرى و تطرقت الى المحرمات و المحظورات السياسية، وكان يوجد انتقاء للمواضيع عبر اسس شعرية عالية، فلعب الشعراء دوراً عظيماً في ترقية الاغاني و حملوها من الارض ليضعوها في "الغيم" عالياً. لذلك ادخلت هذه الاغنية مفاهيم و احاسيس مختلفة في الوعي الجماعي اللبناني ولاقت قبولاً و اقبالاُ كثيفاُ.، و ساهمت بشكل بارز بمناقشة الهوية الفردية و الوطنية للبنانيين. وكان لافتاً كيف كانت  الاغنية الرحبانية في ايام الحرب و القتال  تجد صداها غند الفريقين المتقاتلين، وغير المتفقين و لا على اي امر. وكان كل فريق يعتبر ان هذه الاغنية تنتمي له، فاستعملها " اليسار" من وجهة نظره و "اليمين" كذلك. ويعلل باشا سبب ذلك الى ان "هذه  الاغنية كانت فوق الجميع و ذات  لغة بيضاء و لا تحمل اي توجه او انتماء و ليس لها جمهورها المستهدف.  اما الاغنية التي كان لها هوية و توجه فهي كانت معروفة بانها منتجة من شباب على صلة بمشروع الحركة الوطنية .و كانوا جميعهم اعضاء منظمة الحزب الشيوعي او منظمة العمل اللبناني و بعضهم كان مقاتلا في هذا الحزب و هذه المنظمة".

اختطاف الاغنية !
لم تكن الاغنية السياسية في موقع الترحيب و لم تُفتح لها ابواب السلطة و الاعلام لدعمها. ويقول باشا في هذا السياق:"  لعل ابرز مشكلة واجهتها الاغنية السياسية هي التمويل و بالتالي لعبت منظمة التحرير الفلسطيني دور " روتانا" الاغنية السياسية. و فيما بعد انتبه اليسار اللبناني الى اهمية ان يكون له يد في انتاج هذه الاغنية، فقام الحزب الشيوعي بتمويل مشاريع عديدة. وبقيت المعضلة الثانية باعتراف  السلطة الثقافية، الاجتماعية و الاقتصادية بها . واليوم لا يوجد لها مكان على الساحة الفنية، فالاشخاص الذين عملوا في هذا النوع من الاغنية اعلنوا انفصالهم عنها، فيما بقي خالد الهبر هو الوحيد الذي لا زال يعمل على الاغنية السياسية بنفس المناخ و نفس الشروط، ولإن تغيّرت  شروط البيئة المحيطة. لذلك لم يعد هناك انتاج للاغنية السياسية، انما استعمال و استهلاك لكل الاعمال التي تم انتاجها في الفترات الماضية.  بل و ظهرت ايضاً اغاني التحريض على موقف سياسي مختلف، وهذا ما نراه اليوم  في مهرجانات و مناسبات القوى السياسية،  فبدل ان يعي الزعماء و السياسيين المستأثرين بالسلطة ان هذه الاغنية موجهة ضدهم قاموا باختطافها كما تخطف الشعارات تماماً".      
بتول خليل 
13 نيسان 2011 
                                                                      

Monday



مخالفات وخوات وفوضى ونفايات وبسطات ولا رقابة ولا محاسبة:

أسواق صبرا وحي السلّم .. الأكبر والأكثر مخالفة للقانون
تنتشر بعض الاسواق الشعبية بطريقة عشوائية بين الاحياء السكنية في غير منطقة ضمن نطاق محافظة جبل لبنان. ومن أهم هذه الاسواق وأكثرها مخالفة للقانون سوقا صبرا وحي السلّم، اللذان يقعان في مناطق مكتظة بالسكّان، ويشكّل وجودهما اعتداء صارخًا على الاملاك العامة، اضافة الى احتلالهما الارصفة، وصولاً الى ابواب المباني السكنية والمحال التجارية وفي أطراف الشوارع، ما يخلّ بالنظام ويتسبب بزحمة سير خانقة، عدا عن انتشار القمامة على الارصفة والطريق التي غزاها الباعة بعرباتهم وبسطاتهم المسقوفة بخيم معدنية وخشبية وقماشية.
سوق صبرا
أبرز ما يميّز سوق صبرا عن بقية الاسواق الشعبية، ما شهده من حوادث أمنية وسياسية خلّفت الفوضى وكل ما هو خارج عن القانون.
سوق صبرا
أشرف نصر الدين، تاجر زيت وزيتون ومالك مبنى في منطقة صبرا منذ أكثر من ستين عامًا، يستذكر نشأة السوق اذ "كان يوجد في منطقة صبرا متجر كبير يملكه آل صقر، يبيع الخضر والفاكهة. استأجره أحد الاشخاص ونشر على مساحته بسطات أجّرها بدوره لمجموعة بائعي خضر، استمرت الحال على هذا المنوال حتى العام 1975 حين بدأت حرب السنتين وعمّت الفوضى، فتوسّع السوق وانتشرت البسطات في شكل عشوائي على الطريق، إلى أن شبّ حريق هائل أتى على السوق وأحاله رمادًا. ثم أعاد "الكفاح المسلّح الفلسطيني" اذ كانت المنطقة خاضعة لنفوذه، فتح السوق. ثم بعد خروج الفلسطينيين، جرت محاولات من بلدية الغبيري لتنظيم السوق، لكن عصابات "الزعران" وقوى الأمر الواقع منعت الشرطة من الدخول إلى المنطقة".
شريعة الغاب
تعاقبت على سوق صبرا "سلطات" عدة فرضت سيطرتها ونفوذها في شكل كامل. يؤكّد أبوعيسى، أحد قدامى سكان منطقة صبرا، ان "قوى الامر الواقع بنت محالاً عدة في السوق على أرض البلدية، ما لبثت أن باعتها لمن دفع السعر الأعلى. وبعد "حرب المخيمات" دخلت المنطقة تحت نفوذ المخابرات السورية، التي كان لها مكتب يتدخل في "الشاردة والواردة" ويزيل بسطة من هنا ويضع بسطة مكانها، إلى أن أصبح السوق، في منطقة ما بعد الساحة والى ما بعد جامع الدنا، يضم أكثر من 300 بسطة وعربة خضر تنتشر على شارع طوله حوالى 250 مترًا، وعرضه مع الرصيف أكثر من 30 مترًا. لكن مخالفات البناء وامتداد البسطات والشاحنات التي تفرّغ الخضر والفاكهة شكّلت زحمة خانقة وجعلت المارة نهارًا يعيشون كابوسًا حقيقيًا". ويؤكد ان "السوق لا تزال تحكمه شريعة الغاب، وغالبًا ما تتنازع العصابات في ما بينها، بغية فرض مساحة لبائعين جدد، ولو على حساب طرد احد الباعة القدماء". ويعود بذاكرته الى السنة الماضية حين "حصل إشتباك بالمسدسات والأسلحة الرشاشة بين عصابتي "غزة" و"زاروب الديك"، استمرّ لساعات متواصلة عشنا فيها أجواء حرب حقيقية. ولم يتدخل الجيش إلا بعد إنتهاء الإشتباكات في اليوم التالي، ولم يتم القبض على أحد".
ويلفت رئيس جمعية "لبنان الغد"، وأحد فاعليات منطقة صبرا عثمان القعقور، الى ان "اصحاب المحال والمنازل كالنكرة في نظر الدولة، وإن تجرأ أحدهم على الشكوى فإن "الزعران" كفيلون بإسكاته. وهم يفرضون وضع العربات ويتقاضون "خوّة" عن كل واحدة، وتراوح التسعيرة ما بين 100 و150 ألف ليرة أسبوعيًا".
دور البلدية!
ويفتح واقع هذا السوق باب التساؤل عن دور البلدية في قمع المخالفات والاستجابة الى شكاوى السكّان. ويقر رئيس بلدية الغبيري محمد الخنسا بواقع السوق "فهو غير قانوني بنسبة 80 %، وتتعرض هذه المنطقة يوميًا لمخالفات ومشكلات داخلية نسعى الى حلها قدر المستطاع بيننا وبين القوى الامنية، وإذا تفاقمت الامور ندخل الجيش اللبناني بالموضوع"
ويضيف "نحن في البلدية حاولنا مرارًا أن ننظم الوضع، إذ أزلنا المخالفات والبسطات والخيم غير مرّة، وعندما تسلمنا المسؤولية في البلدية كان الوضع اسوأ بكثير، إذ كانت المنطقة من دون بنى تحتية، فركّزنا بداية على الامور الضرورية التي كلفتنا حوالى المليوني دولار. والحكومة، شعورًا منها بخطورة وضع هذه المنطقة، أنشأت منذ 15 عامًا مؤسسة "أليسار"، ومهمتها ان تزيل كل المباني، على ان تدفع لأصحابها تعويضات وفق الاصول القانونية، ما يعني ان المنطقة برسم الازالة مستقبلاً. لذا ليس هناك جدوى من صرف الاموال لتنظيم المنطقة، كما ان الحل الجذري خارج عن سلطة البلدية من الناحية التنظيمية والقانونية. ونحن ننتظر ماذا سيحل بمشروع "أليسار" حتى تخرج هذه المنطقة من واقعها المأسوي". ويستدرك الخنسا: "صحيح ان المنطقة تقع ضمن نطاق البلدية، ولكن كمشروع اداري ورخص قانونية، تعود الى "أليسار"، فمعظم العقارات عليها اشارات تمنع البناء وتمنع اعطاء الرخص القانونية، حتى لو كانت رخصًا لمحال تجارية، او ما أشبه ذلك".
حي السلم... فوضى وغياب للرقابة
سوق حي السلم
تتشابه منطقة حي السلم ومنطقة صبرا لناحية انتشار الفوضى وغياب الرقابة والمحاسبة، الا ان الاختلاف يتجسّد في الخاصيّة الامنية لكلا المنطقتين. "فمنطقة حي السلّم نشأت في ظل الحرب اللبنانية، بعد نزوح الكثير من اهالي الجنوب والبقاع نحو ضواحي بيروت، وبالتالي تسابق الناس على بناء المنازل بطريقة عشوائية فانتشرت الفوضى بسبب غياب الرقابة والتنظيم"، يقول ابو عماد أحد السكان القدامى في حي السلم. ويلفت الى ان "الدولة، ومنذ سنوات، تتغاضى عن المخالفات في هذه المنطقة، وقبل ان يُنقل مخفر الدرك الذي كان قائمًا في حي السلّم الى منطقة المريجة، كان بعض عناصره يتقاضون الرشوة مقابل السكوت عن المخالفات والتعديات على القانون والسكان".
الكثير من السكان حانقون على الدولة بسبب الوضع المزري الذي تعيشه منطقتهم. ويصف عبدو، مالك محل كومبيوتر في الحي، ان "العيش قرب السوق يشكّل للسكان معاناة لا تنتهي، فالبسطات موجودة على ابواب المحال والمباني والشوارع، وتسبب زحمة سير خانقة، وخصوصًا أن الشارع خط لمرور الفانات. ويروي عبدو "أن امراة من سكان المنطقة كانت بحالة ولادة وتستوجب الدخول للمستشفى وبقيت عالقة أكثر من ساعة في زحمة السير. كما أن مخلفات البسطات والقمامة تؤدي إلى إنتشار البكتيريا والأمراض، وعند كل شتاء تنسدّ المجاري وقنوات الصرف الصحي، وليس هناك أي جهة أو إدارة تعمل على إزالة القمامة أو تسليك المجاري، مما يضطرنا إلى توكيل أشخاص بهذا العمل على نفقتنا الخاصة". ويتذكّر عبدو انه عندما حاولت "شرطة بلدية بعبدا سابقًا قمع المخالفات في السوق عمد أصحاب البسطات الى ضربهم وطردهم. ثم أنشأت البلدية بالتعاون مع "حزب الله" وحركة "أمل" سوقًا قانونيًا ومسقوفًا وبعيدًا من السكان، وأُطلق عليه اسم "سوق العبّاس"، لكن تم إغلاقه بعد ثلاثة أشهر لعدم إقبال الناس عليه". وعن المرجعية الإدارية الرسمية في المنطقة، يؤكّد عبدو انها "غامضة وكأنّ منطقة حي السلم تشبه مثلث برمودا، فعندما توجهنا إلى سرايا بعبدا للمطالبة بالخدمات كان الرد ان المنطقة مسجّلة عندنا على أنّها مزروعة شجر زيتون!".
جغرافيًا، تقع منطقة حي السلم ضمن صلاحيات بلدية الشويفات، لكن يبدو ان البلدية لا تنوي القيام حاليًا بأي مشروع اصلاحي او تنظيمي يتعلّق بسوق الخضر. وفي اشارة الى عدم وجود حلّ قريب لمشكلات السوق، يقول رئيس بلدية الشويفات ملحم السوقي: "هذا مشروع كبير يحتاج الى الكثير من الجهود والعمل فالبنى التحتية تحتاج الى اعادة تأهيل وكذلك الطرق، مما يشكل عائقًا كبيرًا يحول دون قيامنا بالكثير من المشاريع والتحسينات في المنطقة"، لافتًا الى ان "البلدية لا يمكنها ان تقوم وحدها بهذه الخطوة، بل تحتاج الى تعاون وزارات عدة معها، كوزارة الأشغال العامة. كما أننا طالبنا مجلس الانماء والاعمار بمساعدتنا للقيام بالإصلاحات اللازمة، إلا أنه لا جواب حتى اليوم". وعن قمع المخالفات، يشير السوقي الى ان "البلدية تعاني نقصًا في العديد اللازم لعناصر الشرطة حتى تقوم بمهماتها، ونحن في انتظار الحكومة الجديدة حتى تنظر بقرار التجديد لعناصر الشرطة الذين انتهت مدة عملهم".
الحلول الممكنة
اذا كانت البلديات غير قادرة على حل هذه المشكلات، فما هو دور محافظة جبل لبنان بالتعامل مع شكاوى المواطنين القاطنين في صبرا وحي السلم والتي تتعلّق بالاسواق تحديداً؟
يقول محافظ جبل لبنان بالوكالة القاضي انطوان سليمان "نتفهم ما ينتج من تمدد تلك الاسواق بصورة عشوائية من مخالفات وتعديات على ملك الغير وازعاج للمحيط والجوار، الا ان التعامل مع تلك الاوضاع يجب ان يأتي مدروسًا وعلى مراحل زمنية يتم تحديدها بالتزامن مع ايجاد البدائل، ليس فقط لاصحاب المحال بل اخذاً في الاعتبار اعتياد السكان على تلبية حاجاتهم وفق ما هو الواقع".
ويكشف سليمان ان الحل المطلوب يأتي على مرحلتين: "تقضي الاولى بايجاد الحدّ الادنى من التنظيم الآني، بحيث يوضع حد للازعاج واعاقة حركة السير، وفي موازاة ذلك تتم دراسة وتخطيط سوق بديل يستوفي معايير الصحة والسلامة العامة والتنظيم المدني، وذلك بالتشاور مع السلطات المحلية والهيئات الاهلية المعنية، من جمعيات المجتمع المدني العاملة في تلك المحلة، بحيث اذا ما تم انجاز هذا الحل تتم ازالة كل المخالفات ووضع حد للشكوى المزمنة".
لكن ما هو دور المحافظة في قمع المخالفات في الوقت الحالي؟ يعرب سليمان عن اعتقاده انه "من حيث المبدأ يجب ان تقمع المخالفات من حيثما سجّلت، الا انها عندما تصبح حالات معممة وممتدة زمنيًا وجغرافيًا تصبح في حاجة الى تروّ ودراية، ويتعذر اقتلاعها قبل ايجاد البدائل الصحيحة التي تأخذ في الاعتبار مورد رزق العائلات التي تعتاش من مؤسسات ومحال، حتى ولو كانت مخالفة كحصيلة للفوضى من جهة، وانتظام الحياة اليومية للسكان من جهة اخرى". ثم يستدرك: "صحيح ان شكوى السكان محقة وان المخالفة واضحة، الا ان تطبيق القانون على حالات مماثلة واللجوء الى القمع قد يشكلون نوعًا من القهر الذي يجب ان لا ينزلق اليه اي مسؤول، كونه يجب عدم نزع الاطار الانساني عن هذه المسألة".
الوضع القانوني
يرفض المحامي عبد الكريم حجازي حجة مخالفة القانون تحت اي ذريعة قائلا "لا يحق لأي كان بحجة انه يعتاش او يعيل عائلة ان يعمل ضد القانون ويقوم بمخالفات تسبب الضرر لغيره. وفي حال حصول تقصير من أي بلدية في مهمات خدماتها، فهناك اجراءات عدة يمكن للمواطن اللجوء إليها، كعدم انتخاب المجلس البلدي مرة ثانية، او اللجوء إلى المحافظ او إلى دعاوى جزائية بحق رئيس البلدية أو أحد أعضائها، بعد أخذ الإذن من وزارة الداخلية. أما في حال تم تهديد أو تضرر أي مواطن من أي جهة فإنه يحق للمتضرر ان يتقدم بشكوى الى النيابة العامة الاستئنافية في منطقة بعبدا".
ويشار الى أن قانون العقوبات ينص في المادة 751 على انه "يعاقب بالحبس حتى 6 اشهر وبالغرامة من 100 الف ليرة الى مليون ليرة، من اقدم على سد الطريق العامة دون داع ولا اذن من السلطة بوضعه او تركه عليها اي شيء يمنع حرية المرور وسلامته". وتشمل العقوبة نفسها "من رمى او وضع اقذارًا او كناسة او اي شيء آخر على الطريق العامة". لكن من يطبّق القانون؟.

بتول خليل
جريدة النهار
2011- 3- 21