Monday



مخالفات وخوات وفوضى ونفايات وبسطات ولا رقابة ولا محاسبة:

أسواق صبرا وحي السلّم .. الأكبر والأكثر مخالفة للقانون
تنتشر بعض الاسواق الشعبية بطريقة عشوائية بين الاحياء السكنية في غير منطقة ضمن نطاق محافظة جبل لبنان. ومن أهم هذه الاسواق وأكثرها مخالفة للقانون سوقا صبرا وحي السلّم، اللذان يقعان في مناطق مكتظة بالسكّان، ويشكّل وجودهما اعتداء صارخًا على الاملاك العامة، اضافة الى احتلالهما الارصفة، وصولاً الى ابواب المباني السكنية والمحال التجارية وفي أطراف الشوارع، ما يخلّ بالنظام ويتسبب بزحمة سير خانقة، عدا عن انتشار القمامة على الارصفة والطريق التي غزاها الباعة بعرباتهم وبسطاتهم المسقوفة بخيم معدنية وخشبية وقماشية.
سوق صبرا
أبرز ما يميّز سوق صبرا عن بقية الاسواق الشعبية، ما شهده من حوادث أمنية وسياسية خلّفت الفوضى وكل ما هو خارج عن القانون.
سوق صبرا
أشرف نصر الدين، تاجر زيت وزيتون ومالك مبنى في منطقة صبرا منذ أكثر من ستين عامًا، يستذكر نشأة السوق اذ "كان يوجد في منطقة صبرا متجر كبير يملكه آل صقر، يبيع الخضر والفاكهة. استأجره أحد الاشخاص ونشر على مساحته بسطات أجّرها بدوره لمجموعة بائعي خضر، استمرت الحال على هذا المنوال حتى العام 1975 حين بدأت حرب السنتين وعمّت الفوضى، فتوسّع السوق وانتشرت البسطات في شكل عشوائي على الطريق، إلى أن شبّ حريق هائل أتى على السوق وأحاله رمادًا. ثم أعاد "الكفاح المسلّح الفلسطيني" اذ كانت المنطقة خاضعة لنفوذه، فتح السوق. ثم بعد خروج الفلسطينيين، جرت محاولات من بلدية الغبيري لتنظيم السوق، لكن عصابات "الزعران" وقوى الأمر الواقع منعت الشرطة من الدخول إلى المنطقة".
شريعة الغاب
تعاقبت على سوق صبرا "سلطات" عدة فرضت سيطرتها ونفوذها في شكل كامل. يؤكّد أبوعيسى، أحد قدامى سكان منطقة صبرا، ان "قوى الامر الواقع بنت محالاً عدة في السوق على أرض البلدية، ما لبثت أن باعتها لمن دفع السعر الأعلى. وبعد "حرب المخيمات" دخلت المنطقة تحت نفوذ المخابرات السورية، التي كان لها مكتب يتدخل في "الشاردة والواردة" ويزيل بسطة من هنا ويضع بسطة مكانها، إلى أن أصبح السوق، في منطقة ما بعد الساحة والى ما بعد جامع الدنا، يضم أكثر من 300 بسطة وعربة خضر تنتشر على شارع طوله حوالى 250 مترًا، وعرضه مع الرصيف أكثر من 30 مترًا. لكن مخالفات البناء وامتداد البسطات والشاحنات التي تفرّغ الخضر والفاكهة شكّلت زحمة خانقة وجعلت المارة نهارًا يعيشون كابوسًا حقيقيًا". ويؤكد ان "السوق لا تزال تحكمه شريعة الغاب، وغالبًا ما تتنازع العصابات في ما بينها، بغية فرض مساحة لبائعين جدد، ولو على حساب طرد احد الباعة القدماء". ويعود بذاكرته الى السنة الماضية حين "حصل إشتباك بالمسدسات والأسلحة الرشاشة بين عصابتي "غزة" و"زاروب الديك"، استمرّ لساعات متواصلة عشنا فيها أجواء حرب حقيقية. ولم يتدخل الجيش إلا بعد إنتهاء الإشتباكات في اليوم التالي، ولم يتم القبض على أحد".
ويلفت رئيس جمعية "لبنان الغد"، وأحد فاعليات منطقة صبرا عثمان القعقور، الى ان "اصحاب المحال والمنازل كالنكرة في نظر الدولة، وإن تجرأ أحدهم على الشكوى فإن "الزعران" كفيلون بإسكاته. وهم يفرضون وضع العربات ويتقاضون "خوّة" عن كل واحدة، وتراوح التسعيرة ما بين 100 و150 ألف ليرة أسبوعيًا".
دور البلدية!
ويفتح واقع هذا السوق باب التساؤل عن دور البلدية في قمع المخالفات والاستجابة الى شكاوى السكّان. ويقر رئيس بلدية الغبيري محمد الخنسا بواقع السوق "فهو غير قانوني بنسبة 80 %، وتتعرض هذه المنطقة يوميًا لمخالفات ومشكلات داخلية نسعى الى حلها قدر المستطاع بيننا وبين القوى الامنية، وإذا تفاقمت الامور ندخل الجيش اللبناني بالموضوع"
ويضيف "نحن في البلدية حاولنا مرارًا أن ننظم الوضع، إذ أزلنا المخالفات والبسطات والخيم غير مرّة، وعندما تسلمنا المسؤولية في البلدية كان الوضع اسوأ بكثير، إذ كانت المنطقة من دون بنى تحتية، فركّزنا بداية على الامور الضرورية التي كلفتنا حوالى المليوني دولار. والحكومة، شعورًا منها بخطورة وضع هذه المنطقة، أنشأت منذ 15 عامًا مؤسسة "أليسار"، ومهمتها ان تزيل كل المباني، على ان تدفع لأصحابها تعويضات وفق الاصول القانونية، ما يعني ان المنطقة برسم الازالة مستقبلاً. لذا ليس هناك جدوى من صرف الاموال لتنظيم المنطقة، كما ان الحل الجذري خارج عن سلطة البلدية من الناحية التنظيمية والقانونية. ونحن ننتظر ماذا سيحل بمشروع "أليسار" حتى تخرج هذه المنطقة من واقعها المأسوي". ويستدرك الخنسا: "صحيح ان المنطقة تقع ضمن نطاق البلدية، ولكن كمشروع اداري ورخص قانونية، تعود الى "أليسار"، فمعظم العقارات عليها اشارات تمنع البناء وتمنع اعطاء الرخص القانونية، حتى لو كانت رخصًا لمحال تجارية، او ما أشبه ذلك".
حي السلم... فوضى وغياب للرقابة
سوق حي السلم
تتشابه منطقة حي السلم ومنطقة صبرا لناحية انتشار الفوضى وغياب الرقابة والمحاسبة، الا ان الاختلاف يتجسّد في الخاصيّة الامنية لكلا المنطقتين. "فمنطقة حي السلّم نشأت في ظل الحرب اللبنانية، بعد نزوح الكثير من اهالي الجنوب والبقاع نحو ضواحي بيروت، وبالتالي تسابق الناس على بناء المنازل بطريقة عشوائية فانتشرت الفوضى بسبب غياب الرقابة والتنظيم"، يقول ابو عماد أحد السكان القدامى في حي السلم. ويلفت الى ان "الدولة، ومنذ سنوات، تتغاضى عن المخالفات في هذه المنطقة، وقبل ان يُنقل مخفر الدرك الذي كان قائمًا في حي السلّم الى منطقة المريجة، كان بعض عناصره يتقاضون الرشوة مقابل السكوت عن المخالفات والتعديات على القانون والسكان".
الكثير من السكان حانقون على الدولة بسبب الوضع المزري الذي تعيشه منطقتهم. ويصف عبدو، مالك محل كومبيوتر في الحي، ان "العيش قرب السوق يشكّل للسكان معاناة لا تنتهي، فالبسطات موجودة على ابواب المحال والمباني والشوارع، وتسبب زحمة سير خانقة، وخصوصًا أن الشارع خط لمرور الفانات. ويروي عبدو "أن امراة من سكان المنطقة كانت بحالة ولادة وتستوجب الدخول للمستشفى وبقيت عالقة أكثر من ساعة في زحمة السير. كما أن مخلفات البسطات والقمامة تؤدي إلى إنتشار البكتيريا والأمراض، وعند كل شتاء تنسدّ المجاري وقنوات الصرف الصحي، وليس هناك أي جهة أو إدارة تعمل على إزالة القمامة أو تسليك المجاري، مما يضطرنا إلى توكيل أشخاص بهذا العمل على نفقتنا الخاصة". ويتذكّر عبدو انه عندما حاولت "شرطة بلدية بعبدا سابقًا قمع المخالفات في السوق عمد أصحاب البسطات الى ضربهم وطردهم. ثم أنشأت البلدية بالتعاون مع "حزب الله" وحركة "أمل" سوقًا قانونيًا ومسقوفًا وبعيدًا من السكان، وأُطلق عليه اسم "سوق العبّاس"، لكن تم إغلاقه بعد ثلاثة أشهر لعدم إقبال الناس عليه". وعن المرجعية الإدارية الرسمية في المنطقة، يؤكّد عبدو انها "غامضة وكأنّ منطقة حي السلم تشبه مثلث برمودا، فعندما توجهنا إلى سرايا بعبدا للمطالبة بالخدمات كان الرد ان المنطقة مسجّلة عندنا على أنّها مزروعة شجر زيتون!".
جغرافيًا، تقع منطقة حي السلم ضمن صلاحيات بلدية الشويفات، لكن يبدو ان البلدية لا تنوي القيام حاليًا بأي مشروع اصلاحي او تنظيمي يتعلّق بسوق الخضر. وفي اشارة الى عدم وجود حلّ قريب لمشكلات السوق، يقول رئيس بلدية الشويفات ملحم السوقي: "هذا مشروع كبير يحتاج الى الكثير من الجهود والعمل فالبنى التحتية تحتاج الى اعادة تأهيل وكذلك الطرق، مما يشكل عائقًا كبيرًا يحول دون قيامنا بالكثير من المشاريع والتحسينات في المنطقة"، لافتًا الى ان "البلدية لا يمكنها ان تقوم وحدها بهذه الخطوة، بل تحتاج الى تعاون وزارات عدة معها، كوزارة الأشغال العامة. كما أننا طالبنا مجلس الانماء والاعمار بمساعدتنا للقيام بالإصلاحات اللازمة، إلا أنه لا جواب حتى اليوم". وعن قمع المخالفات، يشير السوقي الى ان "البلدية تعاني نقصًا في العديد اللازم لعناصر الشرطة حتى تقوم بمهماتها، ونحن في انتظار الحكومة الجديدة حتى تنظر بقرار التجديد لعناصر الشرطة الذين انتهت مدة عملهم".
الحلول الممكنة
اذا كانت البلديات غير قادرة على حل هذه المشكلات، فما هو دور محافظة جبل لبنان بالتعامل مع شكاوى المواطنين القاطنين في صبرا وحي السلم والتي تتعلّق بالاسواق تحديداً؟
يقول محافظ جبل لبنان بالوكالة القاضي انطوان سليمان "نتفهم ما ينتج من تمدد تلك الاسواق بصورة عشوائية من مخالفات وتعديات على ملك الغير وازعاج للمحيط والجوار، الا ان التعامل مع تلك الاوضاع يجب ان يأتي مدروسًا وعلى مراحل زمنية يتم تحديدها بالتزامن مع ايجاد البدائل، ليس فقط لاصحاب المحال بل اخذاً في الاعتبار اعتياد السكان على تلبية حاجاتهم وفق ما هو الواقع".
ويكشف سليمان ان الحل المطلوب يأتي على مرحلتين: "تقضي الاولى بايجاد الحدّ الادنى من التنظيم الآني، بحيث يوضع حد للازعاج واعاقة حركة السير، وفي موازاة ذلك تتم دراسة وتخطيط سوق بديل يستوفي معايير الصحة والسلامة العامة والتنظيم المدني، وذلك بالتشاور مع السلطات المحلية والهيئات الاهلية المعنية، من جمعيات المجتمع المدني العاملة في تلك المحلة، بحيث اذا ما تم انجاز هذا الحل تتم ازالة كل المخالفات ووضع حد للشكوى المزمنة".
لكن ما هو دور المحافظة في قمع المخالفات في الوقت الحالي؟ يعرب سليمان عن اعتقاده انه "من حيث المبدأ يجب ان تقمع المخالفات من حيثما سجّلت، الا انها عندما تصبح حالات معممة وممتدة زمنيًا وجغرافيًا تصبح في حاجة الى تروّ ودراية، ويتعذر اقتلاعها قبل ايجاد البدائل الصحيحة التي تأخذ في الاعتبار مورد رزق العائلات التي تعتاش من مؤسسات ومحال، حتى ولو كانت مخالفة كحصيلة للفوضى من جهة، وانتظام الحياة اليومية للسكان من جهة اخرى". ثم يستدرك: "صحيح ان شكوى السكان محقة وان المخالفة واضحة، الا ان تطبيق القانون على حالات مماثلة واللجوء الى القمع قد يشكلون نوعًا من القهر الذي يجب ان لا ينزلق اليه اي مسؤول، كونه يجب عدم نزع الاطار الانساني عن هذه المسألة".
الوضع القانوني
يرفض المحامي عبد الكريم حجازي حجة مخالفة القانون تحت اي ذريعة قائلا "لا يحق لأي كان بحجة انه يعتاش او يعيل عائلة ان يعمل ضد القانون ويقوم بمخالفات تسبب الضرر لغيره. وفي حال حصول تقصير من أي بلدية في مهمات خدماتها، فهناك اجراءات عدة يمكن للمواطن اللجوء إليها، كعدم انتخاب المجلس البلدي مرة ثانية، او اللجوء إلى المحافظ او إلى دعاوى جزائية بحق رئيس البلدية أو أحد أعضائها، بعد أخذ الإذن من وزارة الداخلية. أما في حال تم تهديد أو تضرر أي مواطن من أي جهة فإنه يحق للمتضرر ان يتقدم بشكوى الى النيابة العامة الاستئنافية في منطقة بعبدا".
ويشار الى أن قانون العقوبات ينص في المادة 751 على انه "يعاقب بالحبس حتى 6 اشهر وبالغرامة من 100 الف ليرة الى مليون ليرة، من اقدم على سد الطريق العامة دون داع ولا اذن من السلطة بوضعه او تركه عليها اي شيء يمنع حرية المرور وسلامته". وتشمل العقوبة نفسها "من رمى او وضع اقذارًا او كناسة او اي شيء آخر على الطريق العامة". لكن من يطبّق القانون؟.

بتول خليل
جريدة النهار
2011- 3- 21



No comments: