Sunday

الفضائيات العربية... بين السمّ والعسل

لم يعد التلفزيون في عصر الفضائيات وسيلة اعلامية او ترفيهية او توجيهية فحسب،بل اضحى شريكا ً كاملا وفردا من عائلة كل بيت ،حيث تختزل فيه اساليب حياة قائمة بذاتها من تلفزيون الواقع الى حياة البراري ونقل الحروب والانتخابات و الاحتفالات والحفلات الموسيقية وبرامج الالعاب والبرامج الوثائقية والتعليمية والتوجيه الديني والسياسي والتاثير الدعائي بكل اشكاله والوانه وارشيفا يضخ احداث التاريخ ويقدمها شاهدا حيا لكل الاجيال..ا ولعل البلورة السحرية التي جاء ذكرها في الاساطير حيث كانت تمتلك القدرة الخارقة على اظهار كل ما يحصل في اقاصي الارض قد اصبحت واقعا في عصر الفضائيات وما تسميتها الحديثة الا جهازالتلفزيون.

تشغل القنوات الفضائية حيزا لا بأس به حيث تبث حوالي 150 محطة عربية برامجها حول العالم لتصطاد المشاهد العربي اينما كان . وتتبنى هذه المحطات اهدافا و مبادئ تاخذ طابعا ايديولوجيا و فكريا و هي تسعى بالدرجة الاولى الى التغيير والتطوير و تحقيق الانفتاح على الاخر في عصر باتت العولمة سمته الاساسية.

وسائل الاتصال لم تعد باتجاه واحد
ومن التغيرات الجوهرية التي حدثت في عصر السماوات العربية المفتوحة أن وسائل الاتصال لم تعد تعمل في اتجاه واحد، من الحكومة إلى الشعب، بل أصبحت تعمل أيضا في الاتجاه المعاكس فقد ظهر ذلك جليا في السنوات السابقةخلال التغطية الاعلامية الواسعة لانتفاضة الأقصى الثانية بما حملته من مظاهر الوحشية الاسرائيلية في قتل الأطفال العزل مثل محمد الدرة، والتي اشعلت المشاعر العربية التي كانت قد جندت في العقودالأخيرة بعد الغزو العراقي للكويت، فخرجت الجماهير العربية تعلن غضبها ليس فقط على إسرائيل بل أيضا على سلبية النظم العربية ما اضطر هذه النظم إلى اتخاذ اجراءات من بينها سحب السفير المصري من تل أبيب، وتجميد نشاط المكاتب الاسرائيلية في دول المغرب العربي وسلطنة عمان وقطر حتى وإن كان ذلك لفترة مؤقتة، لكن الأمر المؤكد هو ان الفضائيات العربية استطاعت أن تنقل صور التظاهرات الشعبية من المحيط إلى الخليج، وهي صور ضاغطة على صاحب القرار ليس فقط في المحيط العربي بل أيضا في المحيط الدولي .

تعدد المصادر
اصبح هناك اكثر من مصدر يلجأ اليه المشاهد العربي الذي كان محصوراً بالمعلومة والتوجيه الخاضعين لاجهزة الاعلام المحكومة من اجهزة المخابرات. وذلك بعد ان اصبح واضحا الفشل الذريع للمحطات التابعة للحكومات امام ما تقدمه المحطات الخاصة التي شهدت نجاحا واسعا في مختلف انواع البرامج. فقد سقطت بالفعل وسائل التعتيم وفرض الرقابة على وسائل الإعلام، التي كانت موضة عربية في السبعينات والثمانينات حتى منتصف اتسعينات .

صلة وصل
وعلى اثر ذلك ظهرت المحطات الاخبارية المستقلة التي تركز بشكل اساسي على البرامج الاخبارية والحوارية والوثائقية والثقافية وقد ساهمت هذه الفضائيات بنشر مفهوم الحرية و الديمقراطية و تعزيز الوعي لحقوق الانسان الى حد ما وذلك عبر ما تقدمه من برامج حوارية و ارشادية تهدف الى خلق صلة وصل بين المواطن والحكومة.

وقد لقيت هذه البرامج وخاصة السياسية صدى كبير وواسع لدى الشعوب العربية التي نجدها تتفاعل بقوة مع كل يتناول قضاياها .

التأثير السلبي
و رغم ذلك لا نزال نشهد بعض البرامج التي لا تسعى الا الى التاثير السلبي على الفكر العربي من خلال بث افكار تروج للمفاهيم الاصولية و الاسلام المتشدد وخلق التفرقة بين الشعوب و هذا ما يحتاج الى مراقبة و مطالبة بالغاء هكذا نوعية من البرامج لانها تشوه صورة الانسان العربي امام العالم .
ومن المؤكد أن وجود مثل هذه القنوات المضلِلة تلقي عبئًا ثقيلاً على المؤسسات التعليمية من المدرسة إلى الجامعة، ودورًا أكبر للمؤسسة الدينية في غرس القيم الصحيحة والتعاليم المناسبة ما يؤدي إلى خلق وسائل دفاعية ضد أي غزو ثقافي أو إعلامي سيئ المضمون .. حتى نضمن تخريج جيل من النشء والشباب غير مشتت ثقافيًا وفكريًا.

تجاهل الاهتمامات

من جهة اخرى ، يبدو أن بعض المحطات الفضائية العربية والقائمين عليها ، قد تجاهلوا اهتمامات الجمهور وخصائصه المحلية ، بحيث جاءت بعض هذه المضامين نسخة طبق الأصل من برامج أجنبية ، فكانت بذلك تقليداً سمجاً ، متوهمة أن ذلك سوف يساهم في تعزيز انتشارها ويحقق بالتالي نجاحها. كما أن طروحات بعض تلك البرامج فيها من " التحرر " والتطرف والمغالاة والخروج عن القواعد السلوكية والأخلاقية الموجودة داخل مجتمعاتنا الشيء الكثير ، ذلك أن الخوض في مثل هذه الموضوعات ومحاولة معالجتها في إطار تلفزيوني سوف يعود بالضرر الكبير ، كونها تتنافى مع الجانب القيمي والأخلاقي وحتى الديني . غياب الهوية

فمن برامج الواقع حيث " العرسان " و "عارضات الزياء و المصممين و" فناني المستقبل " ،نجد ان ذلك يؤشر الى حالة غياب الهوية لتلك المحطات الفضائية ، بالإضافة إلى الخواء الفكري والثقافي ، وغياب الخصوصية المتفردة ، بسبب وهم القائمين على تلك المحطات بأن تقديم مثل هذا النوع من البرامج ربما هو الطريق المؤدي إلى الحداثة والمعاصرة ومسايرة ركب التطور العالمي !!

البديل الافضل
ولربما استطاعت بعض هذه البرامج النفاذ إلى شريحة من جمهور المشاهدين ، مستغلة القدرة التأثيرية للتلفزيون وغياب البديل الأفضل ، إلا أننا نقول بأن تلك الشعبية التي حققتها هي مؤقتة وطارئة ، بحيث أنها سرعان ما تتلاشى أمام المضامين الجادة والرصينة .

ولكن لا نقف ضد برامج الترفية والتسلية بقدر ما نطالب بتناول القضايا التي تهم المشاهد العربي ، من خلال التركيز على ما هو جوهري وأساسي والابتعاد عن كل ما هو هامشي وطفيلي.

رهان خاسر
نجد أن الفضائيات العربية مطالبة الآن أكثر من أي وقت مضى بإعادة النظر في استراتيجياتها من خلال وضع الأسس الصحيحة لبناء إعلامي حقيقي ومنظم وهادف ، يعتمد مبدأ التخطيط والتنظيم ، بهدف امتلاك شخصية متميزة ترسخ نجاحها وتعزز وتوطد جماهيريتها ، بدلا من الاعتماد على حالات جزئية طارئه ومؤقتة ، كالتركيز على المذيعات الجميلات والمضامين الهشة ، والبرامج الجاهزة المستوردة ، ذلك لأن مثل هذه العناصر ربما تساهم في جذب الجمهور بشكل مؤقت ، ولكن المراهنة على ديمومة ذلك واستمراريته هي رهان خاسر بالتأكيد .


بتول خليل- البلد 19 آب 2007




No comments: