Wednesday


 تشكّل جزءاً من ذاكرة الحرب الأهلية
الأغنية السياسية.." نقاوم من خلالها و نشعر اننا ملتصقين بالقضية"! 
خالد الهبر - مارسيل خليفة
" ودخلت في بيروت من بوابة النار الوحيدة، شاهراً حبّي، ففرَّ الحاجز الرملي، وانقشعت تضاريس الوطن..."، لعلّ هذه الكلمات من أغنية "من أين أدخل في الوطن" للفنان مارسيل خليفة، و التي تبدأ موسيقاها بموسيقى النشيد الوطني الذي يصهرها بقالب وطني مضفياً على قوة الاغنية و كلامها و لحنها و اداءها اكليل الوطن، كأنه يعلن احتكار الوطنية و اصطفافها الى الجبهة التي تنتمي اليها، كانت لتعبّر عن ماهية الاغنية السياسية و دورها في الصراع الذي كان دائراً ابّان الحرب الاهلية في لبنان، خاصة حين يجيب عن السؤال الذي تبدأ فيه الاغنية " من أين ادخل في الوطن؟" ليأتي الجواب " من بابه.. من شرفة الفقراء". هكذا عبّرت الاغنية السياسية عن انتماءها و من ثم استهدافها للطبقية معلنة "يساريتها" الكاملة في حرب اتخذ أحد ابرز عناوينها الصراع بين "اليمين" و "اليسار".
----------------------------------
" الاغنية السياسية  كانت تحمل شعار مرحلة  كما حصل في فترة الحرب الاهلية، اذ  كانت  تخدم توجهاً معيّناً في الصراع الذي كان قائما في لبنان بين " اليمين و اليسار". وكانت الاغنية  تصب في هذا الاتجاه"، يقول سامر حمادة  اليساري الشاهد على مرحلة الحرب. وهو يرى انه "على الرغم من وجود الحواجز بين المواطنين وقتها، الا ان  العمل الفني المميز والراقي كان يخترق كل الحواجز والحدود. فكان العديد من الفنانين الحاملين للقضية مثل مارسيل خليفة و احمد قعبور وغيرهم ،  تُذاع اغانيهم في المنطقة التي كانت تسمى " الشرقية". ورغم احساسنا ان هذه الاغاني تصبّ في قضيتنا " نحن اليساريين"، لتشكّل رصاصة تطلق من الآلة الموسيقية او عبر المذياع.، كانوا "هم" في الطرف الآخر اي في المناطق " الشرقية" يتلقفونها و يتفاعلون معها الى حد انهم يشعرون انها ملتصقة بهم و تعبّر عن تطلعاتهم في بعض الأحيان".

الغيتار مع السلاح!
شربل معلولي  شارك في الحرب الاهلية مع القوات اللبنانية، وكان شاهداً على مراحل ولادة ونضوج الأغنية السياسية ، كما كان من المتابعين لكل ما يبث من أغاني على مختلف الإذاعات اللبنانية، ويقول: "الاغنية السياسية كان لها وقع و اثر كبير عند كافة اطياف الشعب، وكل الفئات العمرية من الشباب الى الاطفال و المتقدمين في السن، فكلهم تفاعلوا معها بطريقة من الطرق". وعن منسوب التأثر، " كان يعلو عندما تهتز القضية الاساسية و في ايام القصف الشديد و المعارك الضارية بين الاطراف المتقاتلة. وكانت الاغنية السياسية ترافق  معظم من يحمل البندقية ليشعر انها سلاح اضافي يحفّزه على القتال و الصمود و الاستبسال، و كأنها  كانت ايضا درع وسلاح في يد المواطن العادي الذي كانت تخلق له الاحساس بانه  مشارك في القتال و تجعله يشعر انه ملتحم مع قضيته". 
ويستذكر معلولي كيف" كان البعض من المقاتلين يحملون مع سلاحهم الغيتار أو آلات موسيقية أخرى الى الجبهة، وتعلوا اصواتهم بالغناء لتصبح أعلى من دوي المدافع واصوات ارتطام القذائف". وبرأيه فإن "الأغنية السياسية ساهمت بشكل جذري بتثبيت العقيدة  التي كان كل المتقاتلين يؤمنون بها كونها –وكل من جهته- تعمل على تاكيد وطنيتهم وانتمائهم، لأن هذه الكلمة كانت منطلقة من عمق المعاناة ومن جوهر حقيقة فهم الصراع".

زياد..محور اجماع المواطنين
زياد الرحباني
لم تكن الاغنية السياسية بالنسبة الى حبيب فاضل تنفصل في بعض الاحيان عن المسرح او عن العمل الميلودرامي الذي كان له هموم وطنية . و اكثر من كان يقارب هذا الامرفي لبنان برأيه"  هو زياد الرحباني من خلال اغانيه التي قدمها في معظم مسرحياته. فكثيرا من اغانيه و التي قدم بعضا منها بصوته وبصوت  جوزيف صقر و آخرين سلطت الضوء على الحالة الطائفية في لبنان. وعبّر زياد من خلال مسرحياته واغانيه تلك عن رؤيا مبكرة وعن  الحالة الاكثر نقاءً  واستطلاعاً مستقبلياً الى ما يؤول إليه الوضع في لبنان. اذ جائت اغانيه  مثل " يا زمان الطائفية" او " قوم فوت نام " و" وراجعة باذن الله"  لتحكي عن واقع البلد المريض المستعصي الشفاء.  كما أن زياد كتب ولحّن أغان  تشكّل اجماعاً محوريا  لدى المواطنين و لو انها كانت تخصّ فئة معينة، لكنها لم تكن ضد من كانوا يسمون بالانعزاليين وقتها، بل كانت تخص قضية الشعب كله. فحين كانت الاغنية السياسية تحكي عن وضعنا المعيشي و الاجتماعي الصعب  في اغنية "يا نور عينييَ...كنا في احلى الفنادق جرجرونا عالخنادق" يتحدث عن خراب لبنان وعن ان الحرب نقلت الكثيرين من الثراء الى الفقر و من الامن الى اللاأمن ، ولإن كانت تطرح  عناوين فاقعة التناقض إلا انه لا أحد بامكانه إلا أن يجمع على صحة ما تعبرعنه".

تأثير موسيقي وادبي
الاغنية السياسية هي نتاج ثقافي يحمل أشكالاً موسيقية و كلامية، هذا ما يعبّر عنه حبيب فاضل حين يقول: "الاغنية السياسية ساهمت بتعريفي على شعراء كبار امثال أحمد فؤاد نجم من خلال أعمال الشيخ إمام، والشاعر حبيب صادق وخليل حاوي و طلال حيدر ومحمود درويش و سميح القاسم من خلال الفنان مارسيل خليفة و غيره .والاغنية السياسية لم تساهم بتشكّل الوعي السياسي لدينا  فحسب، بل و ساهمت ايضا بتشكيل  الحس الادبي و تكوين بداية الانفتاح على الكلمة التي كانت وراء هذه الاغنية. كذلك الامر بالنسبة للحن و الموسيقى، اذ اننا كنا نهتم بكل تكاوين هذه الاغنية و التي كنا نعتبر ان روادها هم امتداد لنا و لقضيتنا و يعبّرون عن تطلعاتنا. وكنا نشعر ان اي نجاح لهم هو نجاح لنا، لذلك كنا مهتمين بكامل تفاصيل الحركة و الاعمال من خلال حرصنا على وجود التسجيلات و جهاز الراديو بصحبتنا في كل نهارتنا و ليالينا .و كثيرا ما كنا نردد هذه الاغاني لنشعر اننا ملتصقين بالقضية والحدث، وان نكون بشكل من الاشكال واقفين على الجبهة و نقاوم من خلال وجودنا على الاقل عبر هذه الاغنية".



ذاكرة الأغنية السياسية

عبيدو باشا
تختلف الاغنية السياسية عن تلك الوطنية وهناك خلط في المفاهيم عند العرب، يقول الكاتب و الاعلامي و المسرحي عبيدو باشا وهو الذي عاش و عاين و شارك و كان على صلة بكل من له علاقة بانتاج الاغنية السياسية في فترة بروزها و امتدادها. و يشرح باشا ان " الاغنية الوطنية هي الاغنية التي تستعمل في الصراع ضد عدو خارجي، اي بوجود مواطنون يحفزون بعضهم كي يعززوا كل مستلزمات الصمود و القتال ضد هذا العدو. أما الاغنية السياسية  فهي ترتبط بمشروع سياسي داخلي، و تقوم على مبدأ غلبة الآخر في الداخل .و يتمتع لبنان بميزة انتاج اغنية سياسية وحده دون سائر البلدان العربية".
و يحمل باشا في ذاكرته تأريخاً اصيلاً للنشاط الغنائي و الموسيقي الشامل في زمن الحرب ، ويتحدث عن ذروة بروز و ازدهار الاغنية السياسية والتي كانت في بداية الحرب الاهلية في لبنان ، اذ "كان الشباب  الذين  انتجوا هذه الاغنية يشعرون بنوع من القمع وانهم فئات لا تستطيع ان تعبّر عن نفسها. فمثلاً خالد الهبر كان وقتها  في التجنيد الاجباري كعسكري احتياط في الجيش اللبناني، أحمد قعبور كان يغني باللغة الفرنسية في دار المعلمين، مارسيل خليفة كان يعمل استاذاً في الكونسيرفتوار الوطني اللبناني، أما سامي حواط فكان عضو في الحزب الشيوعي اللبناني ولم تكن الاغنية السياسية في باله ابداً. و هناك اعداد كبيرة غيرهم ابرزها غازي مكداشي ، وهو شخص اساسي في تجربة الاغنية السياسية عبر اطلاقه تجربة " الكورس الشعبي"، التي طرحت مفاهيم جديدة على صعيد علاقة الناس بالاغنية السياسية".

مناقشة الهوية الفردية و الوطنية
تناولت الاغنية السياسية شبكة العلاقات و الخطابات السياسية بين قضية تحرير المواطن و الانسان، بالمساهمة في تشكيل وعيه الجديد، وقضية تحرير الوطن من زواية اخرى. و يلفت باشا الى ان " اللبنانينون وقفوا امام واحدة من ابرز التجارب في تاريخ لبنان ووجدوا في الاغنية السياسية زواج الموقف السياسي من الموقف الفني و الثقافي، فافتتنوا بذلك. و تعاطت الاغنية السياسية مع مواضيع لم تعالجها الاغاني الاخرى و تطرقت الى المحرمات و المحظورات السياسية، وكان يوجد انتقاء للمواضيع عبر اسس شعرية عالية، فلعب الشعراء دوراً عظيماً في ترقية الاغاني و حملوها من الارض ليضعوها في "الغيم" عالياً. لذلك ادخلت هذه الاغنية مفاهيم و احاسيس مختلفة في الوعي الجماعي اللبناني ولاقت قبولاً و اقبالاُ كثيفاُ.، و ساهمت بشكل بارز بمناقشة الهوية الفردية و الوطنية للبنانيين. وكان لافتاً كيف كانت  الاغنية الرحبانية في ايام الحرب و القتال  تجد صداها غند الفريقين المتقاتلين، وغير المتفقين و لا على اي امر. وكان كل فريق يعتبر ان هذه الاغنية تنتمي له، فاستعملها " اليسار" من وجهة نظره و "اليمين" كذلك. ويعلل باشا سبب ذلك الى ان "هذه  الاغنية كانت فوق الجميع و ذات  لغة بيضاء و لا تحمل اي توجه او انتماء و ليس لها جمهورها المستهدف.  اما الاغنية التي كان لها هوية و توجه فهي كانت معروفة بانها منتجة من شباب على صلة بمشروع الحركة الوطنية .و كانوا جميعهم اعضاء منظمة الحزب الشيوعي او منظمة العمل اللبناني و بعضهم كان مقاتلا في هذا الحزب و هذه المنظمة".

اختطاف الاغنية !
لم تكن الاغنية السياسية في موقع الترحيب و لم تُفتح لها ابواب السلطة و الاعلام لدعمها. ويقول باشا في هذا السياق:"  لعل ابرز مشكلة واجهتها الاغنية السياسية هي التمويل و بالتالي لعبت منظمة التحرير الفلسطيني دور " روتانا" الاغنية السياسية. و فيما بعد انتبه اليسار اللبناني الى اهمية ان يكون له يد في انتاج هذه الاغنية، فقام الحزب الشيوعي بتمويل مشاريع عديدة. وبقيت المعضلة الثانية باعتراف  السلطة الثقافية، الاجتماعية و الاقتصادية بها . واليوم لا يوجد لها مكان على الساحة الفنية، فالاشخاص الذين عملوا في هذا النوع من الاغنية اعلنوا انفصالهم عنها، فيما بقي خالد الهبر هو الوحيد الذي لا زال يعمل على الاغنية السياسية بنفس المناخ و نفس الشروط، ولإن تغيّرت  شروط البيئة المحيطة. لذلك لم يعد هناك انتاج للاغنية السياسية، انما استعمال و استهلاك لكل الاعمال التي تم انتاجها في الفترات الماضية.  بل و ظهرت ايضاً اغاني التحريض على موقف سياسي مختلف، وهذا ما نراه اليوم  في مهرجانات و مناسبات القوى السياسية،  فبدل ان يعي الزعماء و السياسيين المستأثرين بالسلطة ان هذه الاغنية موجهة ضدهم قاموا باختطافها كما تخطف الشعارات تماماً".      
بتول خليل 
13 نيسان 2011 
                                                                      

Monday



مخالفات وخوات وفوضى ونفايات وبسطات ولا رقابة ولا محاسبة:

أسواق صبرا وحي السلّم .. الأكبر والأكثر مخالفة للقانون
تنتشر بعض الاسواق الشعبية بطريقة عشوائية بين الاحياء السكنية في غير منطقة ضمن نطاق محافظة جبل لبنان. ومن أهم هذه الاسواق وأكثرها مخالفة للقانون سوقا صبرا وحي السلّم، اللذان يقعان في مناطق مكتظة بالسكّان، ويشكّل وجودهما اعتداء صارخًا على الاملاك العامة، اضافة الى احتلالهما الارصفة، وصولاً الى ابواب المباني السكنية والمحال التجارية وفي أطراف الشوارع، ما يخلّ بالنظام ويتسبب بزحمة سير خانقة، عدا عن انتشار القمامة على الارصفة والطريق التي غزاها الباعة بعرباتهم وبسطاتهم المسقوفة بخيم معدنية وخشبية وقماشية.
سوق صبرا
أبرز ما يميّز سوق صبرا عن بقية الاسواق الشعبية، ما شهده من حوادث أمنية وسياسية خلّفت الفوضى وكل ما هو خارج عن القانون.
سوق صبرا
أشرف نصر الدين، تاجر زيت وزيتون ومالك مبنى في منطقة صبرا منذ أكثر من ستين عامًا، يستذكر نشأة السوق اذ "كان يوجد في منطقة صبرا متجر كبير يملكه آل صقر، يبيع الخضر والفاكهة. استأجره أحد الاشخاص ونشر على مساحته بسطات أجّرها بدوره لمجموعة بائعي خضر، استمرت الحال على هذا المنوال حتى العام 1975 حين بدأت حرب السنتين وعمّت الفوضى، فتوسّع السوق وانتشرت البسطات في شكل عشوائي على الطريق، إلى أن شبّ حريق هائل أتى على السوق وأحاله رمادًا. ثم أعاد "الكفاح المسلّح الفلسطيني" اذ كانت المنطقة خاضعة لنفوذه، فتح السوق. ثم بعد خروج الفلسطينيين، جرت محاولات من بلدية الغبيري لتنظيم السوق، لكن عصابات "الزعران" وقوى الأمر الواقع منعت الشرطة من الدخول إلى المنطقة".
شريعة الغاب
تعاقبت على سوق صبرا "سلطات" عدة فرضت سيطرتها ونفوذها في شكل كامل. يؤكّد أبوعيسى، أحد قدامى سكان منطقة صبرا، ان "قوى الامر الواقع بنت محالاً عدة في السوق على أرض البلدية، ما لبثت أن باعتها لمن دفع السعر الأعلى. وبعد "حرب المخيمات" دخلت المنطقة تحت نفوذ المخابرات السورية، التي كان لها مكتب يتدخل في "الشاردة والواردة" ويزيل بسطة من هنا ويضع بسطة مكانها، إلى أن أصبح السوق، في منطقة ما بعد الساحة والى ما بعد جامع الدنا، يضم أكثر من 300 بسطة وعربة خضر تنتشر على شارع طوله حوالى 250 مترًا، وعرضه مع الرصيف أكثر من 30 مترًا. لكن مخالفات البناء وامتداد البسطات والشاحنات التي تفرّغ الخضر والفاكهة شكّلت زحمة خانقة وجعلت المارة نهارًا يعيشون كابوسًا حقيقيًا". ويؤكد ان "السوق لا تزال تحكمه شريعة الغاب، وغالبًا ما تتنازع العصابات في ما بينها، بغية فرض مساحة لبائعين جدد، ولو على حساب طرد احد الباعة القدماء". ويعود بذاكرته الى السنة الماضية حين "حصل إشتباك بالمسدسات والأسلحة الرشاشة بين عصابتي "غزة" و"زاروب الديك"، استمرّ لساعات متواصلة عشنا فيها أجواء حرب حقيقية. ولم يتدخل الجيش إلا بعد إنتهاء الإشتباكات في اليوم التالي، ولم يتم القبض على أحد".
ويلفت رئيس جمعية "لبنان الغد"، وأحد فاعليات منطقة صبرا عثمان القعقور، الى ان "اصحاب المحال والمنازل كالنكرة في نظر الدولة، وإن تجرأ أحدهم على الشكوى فإن "الزعران" كفيلون بإسكاته. وهم يفرضون وضع العربات ويتقاضون "خوّة" عن كل واحدة، وتراوح التسعيرة ما بين 100 و150 ألف ليرة أسبوعيًا".
دور البلدية!
ويفتح واقع هذا السوق باب التساؤل عن دور البلدية في قمع المخالفات والاستجابة الى شكاوى السكّان. ويقر رئيس بلدية الغبيري محمد الخنسا بواقع السوق "فهو غير قانوني بنسبة 80 %، وتتعرض هذه المنطقة يوميًا لمخالفات ومشكلات داخلية نسعى الى حلها قدر المستطاع بيننا وبين القوى الامنية، وإذا تفاقمت الامور ندخل الجيش اللبناني بالموضوع"
ويضيف "نحن في البلدية حاولنا مرارًا أن ننظم الوضع، إذ أزلنا المخالفات والبسطات والخيم غير مرّة، وعندما تسلمنا المسؤولية في البلدية كان الوضع اسوأ بكثير، إذ كانت المنطقة من دون بنى تحتية، فركّزنا بداية على الامور الضرورية التي كلفتنا حوالى المليوني دولار. والحكومة، شعورًا منها بخطورة وضع هذه المنطقة، أنشأت منذ 15 عامًا مؤسسة "أليسار"، ومهمتها ان تزيل كل المباني، على ان تدفع لأصحابها تعويضات وفق الاصول القانونية، ما يعني ان المنطقة برسم الازالة مستقبلاً. لذا ليس هناك جدوى من صرف الاموال لتنظيم المنطقة، كما ان الحل الجذري خارج عن سلطة البلدية من الناحية التنظيمية والقانونية. ونحن ننتظر ماذا سيحل بمشروع "أليسار" حتى تخرج هذه المنطقة من واقعها المأسوي". ويستدرك الخنسا: "صحيح ان المنطقة تقع ضمن نطاق البلدية، ولكن كمشروع اداري ورخص قانونية، تعود الى "أليسار"، فمعظم العقارات عليها اشارات تمنع البناء وتمنع اعطاء الرخص القانونية، حتى لو كانت رخصًا لمحال تجارية، او ما أشبه ذلك".
حي السلم... فوضى وغياب للرقابة
سوق حي السلم
تتشابه منطقة حي السلم ومنطقة صبرا لناحية انتشار الفوضى وغياب الرقابة والمحاسبة، الا ان الاختلاف يتجسّد في الخاصيّة الامنية لكلا المنطقتين. "فمنطقة حي السلّم نشأت في ظل الحرب اللبنانية، بعد نزوح الكثير من اهالي الجنوب والبقاع نحو ضواحي بيروت، وبالتالي تسابق الناس على بناء المنازل بطريقة عشوائية فانتشرت الفوضى بسبب غياب الرقابة والتنظيم"، يقول ابو عماد أحد السكان القدامى في حي السلم. ويلفت الى ان "الدولة، ومنذ سنوات، تتغاضى عن المخالفات في هذه المنطقة، وقبل ان يُنقل مخفر الدرك الذي كان قائمًا في حي السلّم الى منطقة المريجة، كان بعض عناصره يتقاضون الرشوة مقابل السكوت عن المخالفات والتعديات على القانون والسكان".
الكثير من السكان حانقون على الدولة بسبب الوضع المزري الذي تعيشه منطقتهم. ويصف عبدو، مالك محل كومبيوتر في الحي، ان "العيش قرب السوق يشكّل للسكان معاناة لا تنتهي، فالبسطات موجودة على ابواب المحال والمباني والشوارع، وتسبب زحمة سير خانقة، وخصوصًا أن الشارع خط لمرور الفانات. ويروي عبدو "أن امراة من سكان المنطقة كانت بحالة ولادة وتستوجب الدخول للمستشفى وبقيت عالقة أكثر من ساعة في زحمة السير. كما أن مخلفات البسطات والقمامة تؤدي إلى إنتشار البكتيريا والأمراض، وعند كل شتاء تنسدّ المجاري وقنوات الصرف الصحي، وليس هناك أي جهة أو إدارة تعمل على إزالة القمامة أو تسليك المجاري، مما يضطرنا إلى توكيل أشخاص بهذا العمل على نفقتنا الخاصة". ويتذكّر عبدو انه عندما حاولت "شرطة بلدية بعبدا سابقًا قمع المخالفات في السوق عمد أصحاب البسطات الى ضربهم وطردهم. ثم أنشأت البلدية بالتعاون مع "حزب الله" وحركة "أمل" سوقًا قانونيًا ومسقوفًا وبعيدًا من السكان، وأُطلق عليه اسم "سوق العبّاس"، لكن تم إغلاقه بعد ثلاثة أشهر لعدم إقبال الناس عليه". وعن المرجعية الإدارية الرسمية في المنطقة، يؤكّد عبدو انها "غامضة وكأنّ منطقة حي السلم تشبه مثلث برمودا، فعندما توجهنا إلى سرايا بعبدا للمطالبة بالخدمات كان الرد ان المنطقة مسجّلة عندنا على أنّها مزروعة شجر زيتون!".
جغرافيًا، تقع منطقة حي السلم ضمن صلاحيات بلدية الشويفات، لكن يبدو ان البلدية لا تنوي القيام حاليًا بأي مشروع اصلاحي او تنظيمي يتعلّق بسوق الخضر. وفي اشارة الى عدم وجود حلّ قريب لمشكلات السوق، يقول رئيس بلدية الشويفات ملحم السوقي: "هذا مشروع كبير يحتاج الى الكثير من الجهود والعمل فالبنى التحتية تحتاج الى اعادة تأهيل وكذلك الطرق، مما يشكل عائقًا كبيرًا يحول دون قيامنا بالكثير من المشاريع والتحسينات في المنطقة"، لافتًا الى ان "البلدية لا يمكنها ان تقوم وحدها بهذه الخطوة، بل تحتاج الى تعاون وزارات عدة معها، كوزارة الأشغال العامة. كما أننا طالبنا مجلس الانماء والاعمار بمساعدتنا للقيام بالإصلاحات اللازمة، إلا أنه لا جواب حتى اليوم". وعن قمع المخالفات، يشير السوقي الى ان "البلدية تعاني نقصًا في العديد اللازم لعناصر الشرطة حتى تقوم بمهماتها، ونحن في انتظار الحكومة الجديدة حتى تنظر بقرار التجديد لعناصر الشرطة الذين انتهت مدة عملهم".
الحلول الممكنة
اذا كانت البلديات غير قادرة على حل هذه المشكلات، فما هو دور محافظة جبل لبنان بالتعامل مع شكاوى المواطنين القاطنين في صبرا وحي السلم والتي تتعلّق بالاسواق تحديداً؟
يقول محافظ جبل لبنان بالوكالة القاضي انطوان سليمان "نتفهم ما ينتج من تمدد تلك الاسواق بصورة عشوائية من مخالفات وتعديات على ملك الغير وازعاج للمحيط والجوار، الا ان التعامل مع تلك الاوضاع يجب ان يأتي مدروسًا وعلى مراحل زمنية يتم تحديدها بالتزامن مع ايجاد البدائل، ليس فقط لاصحاب المحال بل اخذاً في الاعتبار اعتياد السكان على تلبية حاجاتهم وفق ما هو الواقع".
ويكشف سليمان ان الحل المطلوب يأتي على مرحلتين: "تقضي الاولى بايجاد الحدّ الادنى من التنظيم الآني، بحيث يوضع حد للازعاج واعاقة حركة السير، وفي موازاة ذلك تتم دراسة وتخطيط سوق بديل يستوفي معايير الصحة والسلامة العامة والتنظيم المدني، وذلك بالتشاور مع السلطات المحلية والهيئات الاهلية المعنية، من جمعيات المجتمع المدني العاملة في تلك المحلة، بحيث اذا ما تم انجاز هذا الحل تتم ازالة كل المخالفات ووضع حد للشكوى المزمنة".
لكن ما هو دور المحافظة في قمع المخالفات في الوقت الحالي؟ يعرب سليمان عن اعتقاده انه "من حيث المبدأ يجب ان تقمع المخالفات من حيثما سجّلت، الا انها عندما تصبح حالات معممة وممتدة زمنيًا وجغرافيًا تصبح في حاجة الى تروّ ودراية، ويتعذر اقتلاعها قبل ايجاد البدائل الصحيحة التي تأخذ في الاعتبار مورد رزق العائلات التي تعتاش من مؤسسات ومحال، حتى ولو كانت مخالفة كحصيلة للفوضى من جهة، وانتظام الحياة اليومية للسكان من جهة اخرى". ثم يستدرك: "صحيح ان شكوى السكان محقة وان المخالفة واضحة، الا ان تطبيق القانون على حالات مماثلة واللجوء الى القمع قد يشكلون نوعًا من القهر الذي يجب ان لا ينزلق اليه اي مسؤول، كونه يجب عدم نزع الاطار الانساني عن هذه المسألة".
الوضع القانوني
يرفض المحامي عبد الكريم حجازي حجة مخالفة القانون تحت اي ذريعة قائلا "لا يحق لأي كان بحجة انه يعتاش او يعيل عائلة ان يعمل ضد القانون ويقوم بمخالفات تسبب الضرر لغيره. وفي حال حصول تقصير من أي بلدية في مهمات خدماتها، فهناك اجراءات عدة يمكن للمواطن اللجوء إليها، كعدم انتخاب المجلس البلدي مرة ثانية، او اللجوء إلى المحافظ او إلى دعاوى جزائية بحق رئيس البلدية أو أحد أعضائها، بعد أخذ الإذن من وزارة الداخلية. أما في حال تم تهديد أو تضرر أي مواطن من أي جهة فإنه يحق للمتضرر ان يتقدم بشكوى الى النيابة العامة الاستئنافية في منطقة بعبدا".
ويشار الى أن قانون العقوبات ينص في المادة 751 على انه "يعاقب بالحبس حتى 6 اشهر وبالغرامة من 100 الف ليرة الى مليون ليرة، من اقدم على سد الطريق العامة دون داع ولا اذن من السلطة بوضعه او تركه عليها اي شيء يمنع حرية المرور وسلامته". وتشمل العقوبة نفسها "من رمى او وضع اقذارًا او كناسة او اي شيء آخر على الطريق العامة". لكن من يطبّق القانون؟.

بتول خليل
جريدة النهار
2011- 3- 21



Saturday


                          أحراج لبنان وخطر الانقراض!

إن كنت من الجيل الصاعد وتنامى إلى سمعك ذات يوم أغنية عن لبنان الأخضر او انه " قطعة سما" ، فلا تعجب وتشغل نفسك بالسؤال عن إن كان المقصود هو نفس هذا اللبنان الذي تتشح سماؤه بالسواد نتيجة للحرائق السنوية التي تجعله كقطعة من الجحيم. فالاحراج اللبنانية باتت أشجارها كمجموعة من أعواد الثقاب التي حدد  لها المسؤولون مهمة الاحتراق والتفحم لا أكثر. ولمن يهمه التمحيص في الأرقام لتدله على ما كان وما أصبح وما سيكون من لبناننا الذي سنخبر أحفادانا بأنه كان أخضراً ذات يوم ، فإن للارقام التي نشرتها وزارة البيئة مؤخرا  دلالة بالغة  في هذا الاتجاه.  فقد جاء في النشرة، أن  الغطاء الحرجي في لبنان تراجع في السنوات الاخيرة حتى بلغ 13 % بعدما كان 35 % في السيتينات و 22 % في السبعينات.

  وازاء هذا الواقع الكارثي يحتار المواطن إلى أي جهة  يشير بإصبع المسؤولية عن هذا الإجرام بحق لبناننا. فمن وزارة الزراعة إلى وزارة البيئة إلى وزارة الداخلية والبلديات تضيع الأسئلة وتضيع الأجوبة ويضيع المزيد من الثروة الحرجية...وحتى الآن لا تباشير تعد بخطة وقائية لعدم اندلاع الحرائق بداية، او لمحاصرة الحرائق قبل انتشارها. وهذه الازمة ليست وليدة الامس، فالحرائق و قطع الاشجار بات مسلسلاً بحلقات كثيرة يتكرر و يتفاعل سنوياً مع مفارقة تسجّل بالتزامن، مفادها ان نسبة المساحات الخضراء آيلة الى الزوال رغم حملة تشجير من هنا أو توزيع غرسات من هناك.

و لم يفت الأوان  لقرع ناقوس الخطر للتكاتف بين جميع الجهات المعنية،  ولتنصيب الجهود الوطنية لدعم خطة الحفاظ على الغابات و الاحراج من اي اعتداء. فبعد برنامج عمل وزارة البيئة للسنوات 2010- 2012 و الذي جاء في احد بنوده " التحريج و الادارة المستدامة للغابات و التصدي لحرائق الغابات". يفتح هذا الامر الباب امام وجوب تكامل جهود كل من وزارة البيئة ووزارة الزراعة  والبلديات  التي من اولى مهامها في هذا الاطار هو تفعيل دور حرّاس الاحراج و تشديد الرقابة على حسن تطبيق القوانين و اعطاء الرخص. اذ تفترض الاصول ممارسة وزارة الزراعة مهمتها في رقابة يومية تضمن حسن تطبيق شروط اعطاء الرخص لقطع او تشحيل الاشجار. الا ان ثمة عوامل عدة تعيق عملها، منها قلة عدد حراس الاحراج في لبنان عموماً، و عدم توافر وسائل نقل لتسهيل تنقلهم في اي وقت.و يتطلّب تعيين حراس الاحراج مرسوماً يوقّع عليه مجلس الوزراء، وهنا تكمن "العقدة" في عدم تعيين العدد الكافي من هؤلاء الحراس واتخاذ التدابير اللازمة لحماية الغابات، لتقع البيئة بدورها ضحية التجاذب السياسي والشلل على المستوى الإداري عموماً في لبنان. ويبدو ان وزارة الزراعة إحدى ضحايا هذا الواقع، خصوصاً أنها تعاني من شواغر ضخمة في إداراتها وقطاعاتها وصلت الى حد 80 %.
وكان لافتاً ما كشفته المديرة العامة لجمعية الثروة الحرجية و التنمية سوسن بو فخر الدين عن وضع حراس الاحراج في لبنان و اسباب حدوث المخالفات رغم وجودهم. فعددهم  200 حارس فقط موزعون على 24 مركزاً على الاراضي اللبنانية. ما يعني ان ليس كل مناطق لبنان تحتوي على مراكز لحراس الاحراج". 

و يمكننا فهم مدى الخلل الحاصل في الحفاظ على الثروة الحرجية من خلال الاطلاع على المهمات الاساسية المنوطة بحراس الاحراج و التي حددها القانون بتطبيق قانون الغابات الذي يتضمن الاعتداءات وكل المهمات التي يمارسها الناس في الغابات كالتشذيب والتقشيش وتنظيف الاراضي او تغيير وجهة استعمال الارض و غيرها من الاعمال التي يجب على من يريد اجراءها ان يقدم طلباً الى مكتب حراس الاحراج في منطقته، و الذي يحولها بدوره الى مديرية الاحراج في وزارة الزراعة التي تملك الصلاحية للموافقة على مثل هذه الطلبات والنظر في مدى ملاءمتها لشروط السلامة الحرجية والبيئية. و يناط بحراس الاحراج الاشراف على تطبيق ما ورد في الرخصة وهم يقومون بعملهم بشكل مستقل عن  البلديات ومراقبة وضبط أي مخالفات قد تقوم بها البلديات في هذا الإطار.
إذا، وفي حال لم تقم الجهات المعنية بزيادة عدد الحراس والتشدد في الرقابة وتطبيق القوانين التي تحمي الثروة الحرجية، فإن   كل ما تعلنه الوزارة عن خطط لتحسين وضع الاحراج و تفعيل الرقابة سيظل يعاني من نقص اساسي لناحية التطبيق على الأرض. فالقوانين بحاجة لمن يفرضها ويراقب حسن تنفيذها،  ذلك ان الاسباب التي تكمن وراء خلل الرقابة باتت كثيرة و بحاجة الى حل جذري.

 وتظهر جمعية الثروة الحرجية و التنمية اسباب عدم فعالية دور حراس الاحراج في لبنان وعدم تمكنهم من القيام بالدور المطلوب.  فالامكانات ضئيلة، وعدد الحراس قليل وبالتالي فان هذا يجعل مراقبة الرخص التي تمنحها مديرية الاحراج في وزارة الزراعة متعذراً ومعدوماً في احيان كثيرة. وتؤكد الجمعية أن "عدم التجهيز اللائق لمراكز الأحراج وغياب الامكانات المادية يحتمان دائما تعيينهم في المراكز الأقرب الى منازلهم، ما يصعب من ضبط المخالفات وتحرير محاضر الضبط لأن المخالفين يكونون في غالب الأحيان من جيرانهم أو أقربائهم أو أصدقائهم".

إن قراءة المعطيات والمؤشرات المستقبلية لا تحتاج الى تأويل،  ففي ظل بقاء التراخي والتباطؤ في التعامل مع الوضع الحرجي الكارثي، لن يكون بعيدا الزمن الذي لن نجد شجرة نستظل بفيّها تحت ربوع الوطن العتيد.

بتول خليل 
15- 1 - 2011

Thursday

تعكس المشاهد اليومية العادية بعد أن ترصدها بعين ساخرة
مايا زنقول : " المدوّنة صالحتني مع لبنان"!

عندما تتصفح  كتابها او مدونتها لا بد أن تستوقفك الاسئلة عن ماهية هذا العمل وقيمته ومغزاه، لكن أكثر ما قد يستوقفك هو اسلوبها وطريقة معالجتها للمشاهد التي تتأرجح بين الطفولة والنضوج، وستعجب بعد التمعّن في طبيعة المواضيع  بطريقة التقاط عدستها الذاتية للصور ومن ثم تظهيرها وترجمتها عبر الرسومات على مدونتها بطريقتها الخاصة. هي مايا زنقول (1986)، مصممة الغرافيك  اللبنانية التي ولدت ونشأت  بعيداً عن لبنان لتعود  وتستقر فيه منذ العام 2005 بعد ما يقارب ال18 عشر عاما من العيش في المملكة العربية السعودية.
--------------
لعلّ أهم ما يبرز في عمل  زنقول هو تذمرها واستهجانها المتواصل الذي يحمل حسّاً عالياً من  النقد اللاذع والفكاهة والذي يرد إلينا عبر شخصية  الفتاة التي تمثّلها في رسوماتها ومن خلال المواقف التي تواجهها. ففي الحين الذي تعوّدنا فيه نحن ان نرى الكثير من سلبيات و مشاكل مجتمعنا والتقصير في الخدمات الواجب تقديمها من الدولة  كمتلازمة  من طبيعة حياتنا اليومية ومن خصائص ومواصفات  النظام و الاعراف القائمة، وانها امر طبيعي "نطنّش عنه" ونمر عليه مرور الكرام. تدلّ   زنقول، الآتية  من تربية و ثقافة مختلفة، باصبعها على  يومياتنا و أشيائنا لتقول فيهم كلمتها. وتلقي بما يجول برأسها وما تصادفه بيومياتها  تحت المجهر  باسلوب " البساطة المرّة". اذ شكّلت عبر عفويتها و طريقتها السردية و رؤيتها للاحداث معبراً سلسساً لتسليط الضوء على أكثر من خلل في النظام وأكثر من مشكلة يعاني منها المواطن والمقيم في لبنان. فمن تردّي خدمات الانترنت و الاتصالات الى زحمة السير  وحفر الطرقات  ثم إلى واقع المجتمع اللبناني المتكلّف بالمظاهر والمتخم بالتناقضات وغيرها من الامور.

البعد عن الصراع السياسي
تبرز الفطرة السليمة التي لم تسممها انياب الطائفية و العنصرية لتنعكس بشكل واضح عند زنقول، فلا يمكننا و نحن نتصفّح المدوّنة   (www.mayazankoul.com)الا و ان يغمرنا  حس متحرر مغلّف بالاطار الانساني العام.
 ويظهر الاندفاع بالتعبيرعند زنقول  جليّاً دون اي افتعال مما يعكس بديهية  حسّهاً الفطري  خارج ما جرت عليه عادة الصدام القائم في لبنان على خلفيات سياسية وطائفية منذ نشأة الجيل الحالي وتشكيل وعيه. اذ ان امتزاج التعبير  بالعدوانية والتطرف هو من الامور التي تعودنا عليها في لبنان  خاصة حين نعمد إلى  رصد اخطاء الآخر المختلف و المغاير عنّا سياسياً او عقائدياً بتصويب متعمّد يهدف إلى تعريته واستفزازه. لكننا نجد أن هذا تحديداً ما تتحرر منه زنقول من خلال نقدها ورسومها، إذ أنها  تنظر الى اليوميات التي تصيب معاناة اي مواطن وتعكس تفاصيل حياته العادية بحيادية تامة.

أرسم يومياتي " كفشة خلق"
اذاً، تفتح زنقول الصفحة و تصوّب العدسة بشكل واضح، وان كان الاسلوب بسيط وسهل الا ان مدلولاته مرٌة جداً. فهذه اليوميات و الحياة البسيطة و العادية التي بتنا لا نلتفت إليها كثيرا  لها الكثير من الاهمية عند الاشخاص العاديين الذين لم يعيشوا ويألفوا الحالة المعيشية اللبنانية. وتتحدث مايا عن نشأتها فتقول" نشأت في السعودية و تعلّمت في مدرسة ذات نظام اوروبي بين طلاب من مختلف الطوائف و الجنسيات، وساهم هذا الامر في كسر الحواجز بيني و بين الآخر المختلف عنّي. وحين عدت مع عائلتي لنستقر في لبنان في العام 2005، كانت الازمة السياسية  في بدايتها، و أكثر ما  اثار دهشتي هو الفرز الطائفي و العنصري الذي كانت تشهده البلاد بقوة آنذاك. و لم أكن معنية ان انتسب الى اي طرف سياسي بل تمنّيت حينها العودة الى السعودية. لكن بعد ان بدأت ارسم يومياتي " كفشة خلق" و اعبّر عن رؤيتي للامور من خلال هذه اليوميات، شعرت بان المدونة صالحتني مع لبنان و جعلتني اتقبّلّه كما هو".
 ومن الواضح ان زنقول تعيش نوعاً من الانسجام مع ذاتها وعملت على ان تستغل  الملل الذي كان ينتابها إلى دافع للأمل : "الشعور بالملل من العمل التجاري و الترويجي، دفعني الى انشاء مدونة حوّلتها الى مفكرتي الالكترونية التي تحتوي على يومياتي و مذكراتي المرسومة، والتي تعبّر عن انزعاجي من الكثير من المواقف و الاحداث التي اصادفها".

بين السخرية و الفكاهة
عند متابعتنا للمدونة، ترسلنا زنقول بعيداً عن القلق و بعيداًعن حياتنا اليومية المليئة بالضغوط، اذ يتحوّل الهم اليومي الى مشهد يقع في منطقة محايدة بين السخرية من واقعنا وحسرتنا عليه. فتلك الابتسامة المصطنعة التي ترتسم على شفتي الفتاة  في رسوم زنقول  تشكّل الحافز لاخراج ابتسامتنا الحقيقة. امّا الشخصية، بطلة الأحداث، فهي شخصية مبتكرة تراوح  ما بين الحداثة و البساطة والتقليد، وهي تشبه إلى حد كبير حال معظم المواطنين الذين لا يستطيعون أكثر من "النق" والتعليق دونما حول ولا قوة ولا قدرة على التغيير. 

التجربة الواعدة
 تبدو تجربة مايا زنقول  واعدة في المستقبل القريب خاصة انّه سبق لها  أن  طوّرت تجربتها بسرعة من خلال نقلها من مدونتها الإلكترونية إلى عرضها في المعارض ثم نشرها من خلال كتاب،  مؤلّف من جزئين، والذي لاقى رواجاً جيدا. وتقول زنقول في هذا السياق "إن نجاح المدونة ساهم بان يقوم المركز الثقافي الفرنسي بتمويل عرض لرسوماتي ضمن معارض تقع في بيروت وعدة مناطق لبنانية اخرى.  أما الكتاب  فهو خلاصة ما نشرته في المدونة التي تحمل العنوان نفسه Maya Zankoul Amalgam ، و "Amalgam"  معناها مزيج او خلطة، و سبب اختياري هذا العنوان هو لانني اعتبر ان  المجتمع اللبناني هو عبارة عن خليط ومزيج من كل شيء".
وتلفت زنقول الى ان مشروع كتابها الاول كان " مغامرة" بالنسبة اليها، اذ انها تلقّت العديد من التعليقات والتكهنات حول عدم امكانية نجاح كتاب يحمل رسومات ذات طابع كوميدي ساخر، لكن التجربة اثبتت العكس ، فسرعان ما نفذت نسخات الطبعة الأولى، اضافة الى ان الكتاب جاء ضمن الكتب العشر الأوائل الاكثر مبيعاً في Virgin Mega Store ". و تسعى زنقول الى ادخال ال Animation  على رسوماتها  مما يضيف تقنية  الحركة والصوت على الرسوم ، وفي حال تم انجاز الفكرة فستعرض اما على  موقع ال Youtube  اوعلى قناة تلفزيونية محلّية.

بتول خليل

Monday

           "غونزاليس"..ابداع الدراما الانسانية                           
                          

       المخرج أليخاندرو غونزاليس


صنع فيلم "بيوتيفل" آخر أفلام المخرج المكسيكي القدير أليخاندرو غونزاليس الحدث في مهرجان "كان" السينمائي هذا العام، حيث شق طريقه  ليعرض امام حشد كبير من نجوم السينما و الاعلاميين و النخب من جميع انحاء العالم. ومع ان  "بيوتيفل" كان الفيلم المكسيكي الوحيد المشارك في  المسابقة الرسمية، إلا أنه فرض نفسه على  لجنة التحكيم التي منحت جائزة أفضل ممثل لبطل الفيلم  النجم " خافيير باراديم"، الممثل الاسباني صاحب الانجازات اللامعة في أفلام سابقة و الذي خطف الأضواء مجددا في المهرجان من خلال أدائه المبهر.

وليست هذه المرة الأولى التي يكون فيها  غونزاليس في عين الحدث في مهرجان  "كان"، إذ سبق وأن انصفته لجنة المهرجان بمنحه جائزة السعفة الذهبية  كأفضل مخرج عن فيلمه العظيم "بابل" بعد أن حرمته منها لجنة جائزة الاوسكار، والتي وخلافا لكل التوقعات اشاحت النظرعن  غونزاليس وعن عظمة إبداعه بإخراجه "بابل" كتحفة سينمائية قلّ نظيرها في تاريخ السينما، حيث يعتبر الكثير من النقاد أن فيلم بابل من أفضل أفلام الدراما على الإطلاق. وقد حاز الفيلم على جائزة الغولدن غلوب كأفضل فيلم درامي.

 ويحكي فيلم بابل عن تشابك المصائر بالدرجة الأولى حيث تجوب أحداثه أربع  من قارات العالم ضمن لعبة قدرية تبدأ بمشاهد مبهمة  ذات إيقاع بطيء،  ثم تتسارع وتنكشف أحداثها المترابطة بوتيرة متصاعدة تشق الأنفس وتسمّر الأعين على كل حركة سعيا لالتقاط واستيعاب الكم الكبير من الرسائل المتوالية التي يبثها الفيلم. إذ يركّز في مجمل فكرته على الفوارق الاجتماعية والفكرية بين مجموعة العناصر التي يحتويها مظهراً نوعية حياتهم ومعاناتهم من نواح متعددة، خاصة ممارسة العادات واختلافها بل وعكس نتائجها حين تتابع وتتراكم  سلسلة من الأخطاء البشرية التافهة  لتترك تأثيرها في أماكن متعددة  مشكّّلة ما تنطبق عليه نظرية "أثر الفراشة" التي تؤدي إلى تفسير ظواهر الترابطات والتأثيرات المتبادلة والمتواترة التي تنجم عن حدث أول، قد يكون بسيطا في حد ذاته، لكنه يوّلد سلسلة  متتابعة من النتائج والتطورات المتتالية والتي يفوق حجمها بمراحل حدث البداية، وبشكل قد لا يتوقعه أحد.  و يظهر الفيلم مدى تفاوت احترام الحريات و القيمة الإنسانية بين الحكومات وطريقة تطبيقها للقوانين وطرق الحياة و المعيشة ضمن كل دولة وضمن العادات و التقاليد المختلفة. كما يركّز بابل على عناصر الزمان و المكان و مقاربتها و اتصالها بالشكل المطروح و كيفية تظهيرها من خلال ابداع غونزالس. انه فيلم القصص المتداخلة، قصص داخل قصص بطريقة فوضوية و عشوائية مقصودة، تعمّد المخرج بعثرة المشاهد بين هذه القصص جميعاً ليعود ويربطها نهاية بعد ان يشدنا لكامل الشخوص في الفيلم ضمن اسقاطات يتركها عمداً كي يعمل المشاهد على استنباط مجموعة كبيرة من تفكيك علاقتها الملتبسة.

وكما في"بابل" يقوم غونزاليس ايضاً في "بيوتيفل" على اظهار الالم المتجسد في تفاصيل يومية تنتج حياة شخصيات الفيلم. إذاً انها بصمة غونزالس التي تؤكد خطه وأسلوبه إذ انه  لا يكلّف نفسه عناء التعرّج كثيراً في الاعمال التي يقدمها.  ففي معالجته لتشابك المصائر و القصص المتداخلة  يعيدنا الى فيلمه " ناين لايفز- Nine Lives" الذي انتجه في العام 2005 و الذي يحكي عن تسع نساء تلتقي قصصهن و تتداخل حيث الخيبات المشتركة مع التركيز ايضاً على تفاصيل الحياة اليومية التي تصنع المشاهد و الاحداث.

أفلام غونزاليس لطالما أظهرت  الالم و تطرّقت الى المعاناة الانسانية بكافة اشكالها. وها هو " بيوتيفل" يحكي حكاية "اوكسبال" بائع المخدرات السابق ورب عائلة حالي تائب يلعب دوره الممثل "خافيير باراديم" الذي يناضل للحفاظ على توازنه النفسي لتربية طفليه و تصفية حساباته مع الماضي. ويعاني " اوكسبال" من مرض السرطان في مراحله المتقدمة ، حيث يعمل مع مهاجرين آسيويين و أفارقة و هو مُلاحق من قبل شرطة برشلونة،  كما انه مسكون بشبح والده الذي يحاول دفنه. و"اوكسبال" يربّي طفليه لوحده دون والدتهم التي ما زال مغرما بها.

عند مشاهدة "بيوتفل" نلاحظ ان الفيلم مشحون بمواضيع ثقيلة مثل الهجرة و العلاقات العائلية و الموت و العلاقات غير الشرعية بين الرجل و المرأة. كما ان الفيلم يعطينا انطباعاً وكأنّه يجسّد كل مآسي الحياة.ويمكننا أن نشاهد بوضوح أن   غونزاليس أراد  في "بيوتفل" أن يقدّم عملاً بطرق سردية جديدة تختلف عما سبق وقدمه،  لكن دون أي خروج عن الأطر الإنسانية التي من الواضح أنّها تقضّ مضجعه. ولا عجب أنه صرّح في مهرجان "كان" ان اخراج الفيلم كان صعباً مثله كمثل غيره من الافلام السابقة التي أخرجها، وخصّ  فيلم "بابل" بالإشارة حين قال عنه  "هذا الفيلم كان متعباً جداً، إذ أنه جعلني أجول أنحاء العالم كله من اجل أن أقدمه لكم كما رأيتموه".

  بتول خليل

2010- 6- 8

 


Tuesday


مخالفات قاتلة وتسيّب وبائت يدمج بالطازج... ولا حماية للمستهلك! 
  سوق اللحوم في صبرا يوزّع انتاجه المغشوش على بيروت وضواحيها


يعتبر سوق صبرا للحوم احد اكبر اسواق بيع اللحوم بالجملة والمفرّق في لبنان، ويعدّ المصدر الاساسي لبيع اللحوم التي تأخذ طريقها الى معظم مناطق بيروت وضواحيها، بما تحويه من مطاعم وفنادق ومنازل وسوبرماركت، ولا يقتصر مجال العمل في السوق على بيع اللحوم وحسب، بل يتعداه الى وجود العديد من المسالخ غير القانونية بين منازله ومحاله وازقّته، التي يتم فيها ذبح المئات من المواشي يومياً.

في غمرة الاقبال والازدحام الذي يشهده سوق صبرا على مدار الاسبوع يتم تجاوز كل الخطوط الحمر التي تمسّ صحة المواطن وتهدد أمنه الغذائي. فمن الذبح غير القانوني، الى وجود الملاحم غير المرخّصة، الى الغش وعدم مراعاة ابسط شروط النظافة والسلامة الصحيّة في نقل اللحوم وتخزينها وعرضها وبيعها، يُطرح السؤال عن تعامي المسؤولين عن المخالفات الصارخة التي تحدث في هذا السوق.
-----------

"ما من احد يستطيع كشف عمليات الغش ومنعها التي يمارسها بعض اصحاب الملاحم، اذ يحرص هؤلاء على ان يكون كل العاملين في الملحمة امّا من الابناء او الاخوة او ابناء العم او الاصهرة، او على ابعد تقدير ابناء منطقة واحدة، وذلك حرصاً منهم على عدم فضح الممارسات والتجاوزات التي تحصل داخل الملحمة. ولست ابالغ حين اقول إنهم بهذا يشكّلون ما يشبه المافيا"... هكذا اختزل أيمن جوابه عن عشرات الاسئلة، رغم عمله لأكثر من 13 عاماً في ذبح المواشي وبيع لحومها في منطقة صبرا، رافضاً رفضاً قاطعاً الحديث عن طرق وأساليب الغش، ومردداً طوال الوقت "هذه اسرار المصلحة وسأتعرّض للاذى اذا كشفت عنها".

غش وتضليل
الخوف الذي منع ايمن من الكلام عن غش بعض اصحاب الملاحم والعاملين فيها، لم يمنع قاسم، العامل في المهنة والمنطقة عينهما، لسنوات عدة عن القول: "يتم دمج اللحم البائت او المثلّج وتعليقه بين اللحوم الطازجة، في عملية اشبه بالتضليل والخداع البصري. كما تعلّق ايضاً قطعة من "ليّة" خروف بلدي في شكل متلاصق مع فخذ للحم بيلا (خروف ابو دنب). ويباع هذا النوع بسعر اللحم البلدي، رغم انّ سعره في الحقيقة أرخص بكثير. ويمكن تمييز الفارق ما بين النوعين من خلال اللون، اذ يميل اللحم البلدي الى اللون الزهري بينما يكون لون اللحم غير البلدي مائلاً الى الحُمرة، ويبرز طعم ورائحة اللحم الرديء في الطبخ او الشوي. لكن احياناً يضيع اللون والطعم الحقيقيان لهذا اللحم عند استعمال الخلطات بإضافة الحوامض والتوابل وانواع البهارات المختلفة، والتي تدخل كلها في تحضير بعض الاصناف، مثل الشاورما، البفتاك، الهمبرغر، البسطرما، اللحم بعجين... وبالتالي فإن الزبون لن يميّز هذه التغييرات بسبب تغيّر الطعم واللون والرائحة".


وعن اساليب الغش الاخرى، يشرح قاسم كيف "ان بعض بائعي اللحوم يقومون بجمع "الجلاميق" والقطع التي ظهرت عليها بقع لونية، ويتم بيعها كلحم مفروم سلفاً، او خلطها بالكباب والكفتة الجاهزة. وكثيراً ما يتم فرم الكليتين او "الطحالات" و"الفشّة" و"القلوب"، ومعظم الشحوم واللواصق التي تكون في جوف الماشية فرماً ناعماً وضربها بخلطة السجق والمقانق. اما بالنسبة الى السودة (الكبدة) فكثيراً ما تكون مصابة بداء ما ويظهر فيها نوع من الحلزونات او الديدان، وبالتالي فإن بعض البائعين يقومون باستئصال هذا الشكل الحلزوني قبل عرضها للبيع، وهذا ما يفسّر وجود التجاويف الصغيرة في "السودة" في بعض الاحيان".
ويتحدّث قاسم عن اسلوب آخر من الغش عند البعض قائلاً "اذا طلب الزبون كيلو لحم مفروم، يقتطع البائع كمية اقل ويضعها داخل مكنة الفرم، ويخلط معها اللحم الفاسد الموجود داخل المكنة او في الجزء الاعلى منها، فتمزج الكميّة الفاسدة غير المرئية بالكمية السليمة المقتطعة".

سوء النظافة والبكتيريا القاتلة
لعلّ ابرز المخالفات التي تشهدها معظم الملاحم في منطقة صبرا هي قلة النظافة. فمن عدم التنظيف للادوات المستعملة، من سكاكين وآلات فرم و"شناغل" وألواح التقطيع، بالماء المغلي والصابون، الى قذارة الارض والجدران، وانعدام النظافة الشخصية لأكثر العاملين، وعدم مراعاة ارتداء "البرنس" الابيض والقبعات والقفازات... اضافة الى مشكلة نفايات الملاحم التي توضع خارج الملحمة قريباً من اللحوم المعلقة خارجاً ايضاً، فالى مشكلة عدم وجود المياه في شكل دائم في بعض الملاحم، يمكن تصوّر حجم الخطر الذي تشكله هذه المخالفات على صحّة المستهلك جرّاء الامكان العالي لتلوّث اللحوم وتكاثر البكتيريا والجراثيم فيها، مما يؤدّي الى حالات التسمم الغذائي.
وتلفت اختصاصية الامراض الداخلية والجرثومية ندى شمس الدين الى "ان عوارض التسمم الغذائي لا تكون متشابهة عند الجميع. ويجب الانتباه اولاً الى ان كمية اللحم التي يتناولها الشخص ليست المعيار الذي يحدد حجم التسمم، انما تحدده نوعية الجرثومة الموجودة في هذا اللحم.
أبرز عوارض التسمم عموماً هي: الصداع، الاسهال، الآلام الحادة في البطن، الدوار، التقيّؤ المستمر، وارتفاع في درجة حرارة الجسم. فكل انواع البكتيريا والجراثيم خطيرة وقاتلة، لكن قدرة تصدي الجسم لها هي التي تجعل التأثير مختلفاً ما بين مصاب وآخر، وذلك وفق نسبة التلوث التي اصيب بها، ووفق عمره ووضعه الصحي ومناعة جسمه. وهناك الكثير من المصابين الذين تتفاعل اجسادهم مع التلوّث في شكل قوي جداً قد يعرّضهم الى هبوط قوي في ضغط الدم والى نشاف حاد، مما يشكّل خطراً كبيراً قد يودي بهم الى الوفاة في حال عدم حصولهم على العلاج الفوري".
وشددت شمس الدين على اهمية اجراءات النظافة للعاملين في الملاحم والمطاعم، اذ ان "هناك انواعاً من البكتيريا، مثل السالمونيلا التي تنتقل عبر اليدين في حال لم تُغسل جيّداً بعد استعمال المراحيض. وقد لا تظهر عوارض الاصابة بالسالمونيلا الا بعد 18 ساعة، وفي بعض الحالات تظهر بعد 3 اسابيع".

التلوّث المتبادل
يعمد معظم محال سوق اللحم في صبرا الى بيع اللحوم بالجملة فجراً وبالمفرّق نهاراً. لذلك فهي تعتبر مصدر بيع وتوزيع اساسياً لمنطقة بيروت وكثير من المناطق اللبنانية. وتشير المسؤولة عن سلامة الغذاء في جمعية حماية المستهلك ندى نعمة الى ان "هناك الكثير من المطاعم والفنادق، بما فيها تلك المصنّفة خمس نجوم، تشتري اللحوم من منطقة صبرا، سواء اكانت مثلّجة او طازجة". وتحدّثت نعمة عن ان "بعض الملاحم لم يعد فقط مكاناً لبيع اللحوم بل أصبحت مكاناً لتصنيع الخلطات وتحضير وبيع المشاوي الجاهزة واللحم بعجين". وأشارت الى ان "القانون يمنع الجمع ما بين عملية بيع اللحوم وتصنيع الخلطات للمشاوي والاصناف الاخرى، الا اذا حاز صاحب الملحمة على رخصة مستقلة لكل من البيع والتصنيع، وبشرط توافر الشروط المطلوبة، وذلك بسبب الامكان الكبير لحصول التلوث المتبادل. وهذا ما أظهرته نتائج دراسة أجرتها الجمعية، حيث تم فحص 266 ملحمة تابعة لبلديات عدة في بيروت وضواحيها، وتبيّن بنتيجتها وجود نسبة تلوّث كبيرة في هذه الملاحم، اضافة الى الكثير من المخالفات".

الذبح والنقل والعرض
غير القانوني

تُعتبر المسالخ الحائزة على الشروط الصحية والقانونية المكان الوحيد الصالح لذبح المواشي في لبنان، والذي يفترض أن يكون مسلخ بيروت من أهمّها. الا ان هذا المسلخ للأسف يفتقر الى أدنى الشروط الفنية والصحية والقانونية. وسيلحظ أي زائر، ومن دون أي جهد، انه ليست هناك اي مراقبة او معاينة طبّية فاعلة لدخول الماشية او خروج الذبائح وتفقد صلاحيتها، عدا عن الحالة المزرية للمبنى عموماً، وخصوصاً سقفه الذي ترشح منه الماء في الشتاء وجدرانه التي تدخل القوارض من ثقوبها وتسرح في المسلخ ومحيطه.


وينتشر بعض المسالخ الخاصة غير القانونية في محيط مدينة بيروت التي ليس عليها رقيب او حسيب، ولا تُعنى بأي شرط من شروط الصحة والنظافة. ويتحدث قاسم عن المسالخ في صبرا قائلاً: "عمليات ذبح المواشي تجري على قدم وساق في منطقة صبرا بعد منتصف الليل، في غرف مغلقة وغير مؤهلة". وهذا ما يتبيّن بالفعل عند تفقّد هذه المنطقة، اذ توجد مثل هذه الغرف بين البيوت السكنية والتي يتم الوصول اليها عبر زواريب ضيّقة جدّاً، مما يجعل من الصعب رصدها ومشاهدة ما يحصل داخلها. وتنبعث منها روائح كريهة وترمى عند مداخلها فضلات الذبائح. وتسيل دماء الذبائح عبر قنوات مفتوحة في أرضية الغرف.


ويكشف منصور، الذي يعمل في زريبة للمواشي منذ نحو التسع سنوات، عن وجود عمليات ذبح مكثّفة تجري هناك، مما يشكّل مخالفة جسيمة للقانون. ويؤكّد أنّ "بعض التجار يقومون بذبح فوري للمواشي المريضة وبيعها من دون التأكد من صلاحية لحومها. ويتم نقل هذه اللحوم الى سوق صبرا وغيره عبر سيارات وشاحنات مكشوفة، وغالباً ما تكون بالوسائل عينها التي نقلت فيها المواشي وهي حيّة مما يعرّضها للتلامس مع البقايا والاوساخ".


ويتعارض نقل المواشي بهذه الطريقة مع القانون الذي نصّ على وجوب حفظ اللحوم ونقلها في شكل مبرد وعزلها عن التلوث الخارجي والذباب والحشرات بواسطة قطع من الشاش النظيف وعدم تركها في الهواء الطلق، اضافة الى اكتمال بطاقة المعلومات البيانية الخاصة باللحوم المنقولة الى الملاحم او المطاعم او محال بيع اللحوم. اذ يجب ان تختم اللحوم الطازجة المجازة من المفتّش البيطري الرسمي، مما يفيد بخلوّها من الامراض المعدية وصلاحيتها للاستهلاك البشري. كما يجب ان تختم الذبائح على الجانبين من السطح الخارجي من الفخذ والخاصرة والظهر والصدر والكتف. ويبيّن الختم نوع اللحم، درجة البرودة، تاريخ الذبح، رقم الدفعة، اسم المسلخ، وبلد المنشأ.


ولا تقتصر المخالفات على نقل اللحوم الذي يتم احياناً عبر عربات حديد مكشوفة تُجر بالايدي، بل تتعداها الى طريقة عرضها، اذ تعمد بعض الملاحم الى تعليق اللحوم بـ"الشناكل" على الطريق او على الخيم الحديد فوق رصيف المشاة، وتقطيع اللحوم وجرمها على طاولات على الرصيف ايضاً، مما يعرّضها للغبار والحشرات والتلامس مع ثياب وأيدي المارّة، وحتّى الى رشقات من مياه الحفر التي تملأ الشارع جرّاء مرور السيارات

.

رقابة وتفتيش صُوَري!
تتولى مديرية حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد والتجارة مهمة النظر في الشكاوى وقمع المخالفات القانونية المتعلقة بالملاحم. وتقوم البلديات ضمن نطاق صلاحيتها بإرسال دوريات للمراقبة والتفتيش الصحّي. لكن تبقى الحاجة الى تفعيل الرقابة وصولاً الى قمع جدّي للمخالفات. ويكشف قاسم "ان للحامين أساليب متعددة للتخلّص من الرقابة والتهرب من التفتيش الذي يكون صُورياً في أغلب الاحيان ولا أحد يكترث له".


ويفتح واقع هذه المخالفات الصارخة باب التساؤل عن الكيفية التي يتم على أساسها منح الرخص والشهادات الصحية وتجديدها لمثل هذه الملاحم والعاملين فيها، وعن السبب في عدم اغلاق الملاحم غير المرخصة اصلاً، والتي لا تزال تعمل حتّى اليوم، علماً أن قانون حماية المستهلك ينصّ في المادة 109 على انّه "يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر الى سنة وبالغرامة من 25 مليوناً الى 50 مليون ليرة من أقدم، وهو عالم بالامر، على الغش في مواد مختصة بغذاء الانسان، كذلك بالاتجار بمواد غذائية فاسدة او ملوثة او منتهية مدة استعمالها او التعامل بها اضافة الى حيازة اي من هذه المواد او المنتجات".


ويرى الامين العام المساعد للاتحاد العربي للمستهلك ورئيس الدائرة القانونية لجمعية حماية المستهلك المحامي وجدي الحركة انه "يجب عدم التراخي في ما يخصّ الرخص والشهادات الصحية. فالرخصة تعني ان يكون للملحمة رقم في البلدية، وبالتالي ان يكون هناك امكان لمتابعة السلامة الغذائية واجراءات النظافة في هذه الملاحم من المراقبين التابعين للبلدية او الوزارات المعنية".
وعن نسبة تطبيق العقوبات في ما يخص المخالفات القانونية، أشار الحركة الى انه "توجد غرامات تفرضها مديرية حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد والتجارة التي يقع على عاتقها النظر في الشكاوى والمخالفات القانونية". وأسف الى "وجود الكثير من العقوبات التي لم تنفّذ حتى اليوم، في انتظار تفعيل لجنة حل النزاعات، وهي محكمة المستهلك التي انشئت منذ نحو 4 أعوام". وتمنّى الحركة على المواطنين "الاطلاع على قانون حماية المستهلك لأننا في حاجة الى تعزيز "ثقافة المستهلك" اضافة الى معرفة الحقوق والواجبات".

نصائح
عن غياب الكثير من المستهلكين عن الشروط التي يجب الانتباه اليها عند شراء اللحوم، تحدثت اختصاصية التغذية في مستشفى الجامعة الاميركية في بيروت مريم علّيق قمر الدين عن المواصفات والخصائص الواجب توافرها في اللحوم الحمراء، "اذ يجب ان تحتفظ اللحوم بلونها الطبيعي مع خلوّها من الروائح غير الطبيعية والبقع اللونية الرمادية، البنّية او الخضراء، وان تكون غير مغطاة بطبقة بيضاء لزجة. أما بالنسبة الى اللحوم المثلجة فيجب ان تكون مغلّفة ومحكمة الاغلاق وضمن صلاحية الاستهلاك. وفي حال شرائها من السوبرماركت يفضّل ان تكون آخر ما يوضع في سلّة المشتريات للمحافظة على برودتها". وعن الطرق الصحيحة والصحّية لحفظ اللحوم والتعامل معها شدّدت قمر الدين على "اهمية النظافة وغسل اليدين لمدّة 20 ثانية بعد ملامسة اللحم النيء. ويجب ان تحفظ اللحوم في الثلاجة على درجة 18 مئوية تحت الصفر، وان تكون درجة حرارة البرّاد بين الصفر والخمس درجات، وان لا يحفظ اللحم لاكثر من 4 ايام منه، والا سيصبح غير صالح للاستهلاك. وفي ما يخصّ اللحم المفروم الناعم او اللحوم العضوية، يجب ان لا تحفظ في البرّاد لأكثر من يوم واحد". ولفتت الى "خطأ اعادة تجميد اللحوم التي سبق ان ذابت، ومراعاة تذويبها عند اللزوم بوضعها في البراد او الميكرويف او تحت المياه الجارية الباردة".
بتول خليل
جريدة النهار
14 - 12 - 2009



Saturday

بعض مقالاتي حرّفت في الصحافة اللبنانية

ايزابيل ديليربا " الوصول الى الموضوعية الحقيقية و الحرية المطلقة صعب جدّا"



لطالما كان لبنان رائدا في مجال حرّية الصحافة و الاعلام فكان يحتلّ المراتب الاولى في مرصد حرية الرأي و التعبير، و الذي تعدّه منظمات غربية تعنى بشؤون الصحافة و الصحافيين في منطقة الشرق الاوسط. أمّا اليوم و بعد اعلان الشبكة الدولية لتبادل المعلومات حول حرّية الرأي و التعبير"ايفيكس" عن تراجع مرتبة
لبنان في مرصد حرية الصحافة، يطرح العديد من التساؤلات عن سبب هذا التراجع و عن النظرة الجديدة للصحافة اللبنانية. و لعلّ رأي صحافيين اجانب عاشوا و شهدوا تجارب ميدانية في العمل الصحافي في لبنان، سيساهم في فهم مكامن الضعف و القوّة في الصحافة اللبنانية. فكان هذا اللقاء مع الصحافية الفرنسية في صحيفة الـليبيراسيون و المطّلعة على تفاصيل و تعقيدات الصحافة اللبنانية " ايزابيل ديليربا".


كصحافية غربية مطّلعة على الصحافة اللبنانية كيف تقيّمين حرفية الصحافة اللبنانية في التعامل مع الاحداث و تغطيتها؟

أولا أظن أن الإعلام اللبناني و تحديدا المرئي هو إعلام نشيط و تفاعلي جدا, فالصحافيون يصلون بسرعة كبيرة إلى مواقع الحدث و يستطيعون أن يؤمنوا دقائق طويلة و أحيانا ساعات من النقل المباشر.
في المقابل, إذا كان علي أن أحدد نقطة ضعف لدى الإعلام اللبناني , فسأقول بديهيا أنها التسييس المفرط نتيجة كون الإعلام في يد الأحزاب و العائلات السياسية. و عليه فإن تغطيته للأحداث ليست حيادية. كذالك الأمر بالنسبة للصحافيين اللبنانيين, فهم مرتبطون بهذا الحزب أو ذاك , أو بطائفة ما , و هو ما يفقدهم حياديتهم المفروضة على أرض الحدث.


قياسا بالدول الغربية الرائدة بالصحافة، ما هي الفروقات الاساسية التي ترينها بين الصحافة الغربية و الصحافة اللبنانية بشكل عام ؟

الصحافة الغربية تعطي مساحة أكبر للمقالات الواقعية و التحقيقات, أما الصحافة اللبنانية تفضل في معظم الاحيان الإفتتاحيات و التحليلات وصفحات الرأي. كما أن الإعلام اللبناني , مرة أخرى , أكثر تسييسا و تأثرا بالسياسة من الإعلام الغربي.


هل الاعلامييون الغربيون بشكل عام لديهم اطلاع كاف على تعقيدات الوضع اللبناني و عن واقع بعض المؤسسات الاعلامية و اللبنانية المذهبي و الفئوي ؟

أظن أن الصحافيين المقيمين في لبنان بدأوا يتعلمون و يتأقلمون مع طبيعة عمل الإعلام اللبناني. بالنسبة للصحافيين الآخرين , إنها أكثر غموضا .

هل النظرة العامة في الصحافة الغربية الى الاعلام اللبناني هي انه اعلام محترف و موضوعي اجمالا، ام انّ النظرة اليه بانّه اعلام موجّه ينقصه الكثير لكي يصبح اعلاما حرّا طليعيا بكل ما للكلمة من معنى ؟

من الصعب الإجابة على ذلك. يوجد في لبنان صحافيون لامعون جدا و وسائل إعلام جيدة كذلك, و رغم كونها متأثرة تماما بالسياسات الداخية و قادرة على تحويل بثها إلى ماكينات"بروباغندا" لنشر الاشاعات، لكنها تستطيع في الوقت نفسه برمجة وإخراج ريبورتاجات و تقارير جيدة جدا. و بات من المعلوم أن وسائل الإعلام هنا هي دوما في نفس الوقت وسائل بروباغندا في يد العائلات السياسية. و عليه فإن الوصول إلى الموضوعية الحقيقية أو الحرية المطلقة يبدو لي صعب جدا.

هل تعتمد مصداقية المصادر الاعلامية اللبنانية الخاصة الغير صادرة عن الوكالات الرسمية كمصادر موثوقة بنفس نسبة مصداقية الوكالات العالمية مثل رويترز و فرانس برس و الاسوشييتد برس ؟

بالنسبة لي ليست كذلك , و هذا نتيجة تجاربي الشخصية . بعض مقالاتي حرّفت من قبل بعض الوسائل الإعلامية اللبنانية. و بعض الصحافيين الأجانب شهدوا تجارب مماثلة. من هنا , قبل أن أستخدم اي خبراو معلومة اقرأها او اسمعها في وسيلة إعلام لبنانية ،أي كانت،أتأكد من صحتها بشكل آلي.

ما هي مكامن الضعف ومكامن القوة في الصحافة اللبنانية عموما وبماذا تتميّز الصحافة اللبنانية في نظرة الغرب الى الصحافة العربية خاصة و الصحافة في دول العالم الثالث بشكل عام ؟

الصحافة اللبنانية تتميز بتنوعها, و خصوصا كون لبنان هو أحد البلاد الوحيدة في المنطقة العربية حيث توجد فعليا حرية للصحافة. عندما وصلت إلى هذا البلد, تفاجأت كثيرا من النبرة الحرة لبعض الصحافيين.
فيما يخض نقاط الضعف, سأقول أنه من المؤسف رؤية الإعلام يرزخ تحت ضغط السياسة بهذا الشكل. و هو ما يؤدي إلى أخطاء عديدة, مثل نشر الإشاعات بدل إنجاز تحقيقات حقيقية.
اخيرا، ما هو رأيك الشخصي و الكلمة التي توّدين ان تقولينها عن الاعلام اللبناني كتجربة شخصية لك او لاصدقائك الصحافيين المقرّبين و المطّلعة على وجهة نظرهم؟

أظن أن الكثير من الشباب اللبناني قادر أن يتحول إلى صحافيين ممتازين. و من المؤسف إنه بشكل عام هنا , يتم تدريس الصحافة مع علم الإتصال الجماهيري ، و هما مجالان مختلفان كليا.
كما انّه من المحزن أن لا خيار أمام الصحافيين بعد ذلك إلا الدخول و الإندماج في الأطر و الهيكليات الحزبية. و لكنني أظن أن للصحافيين مستقبل حقيقي في لبنان, و أنهم يستطيعون تطوير الوسائل التي تمنحهم المزيد من الإستقلالية، و أشير تحديدا إلى الصحف الإلكترونية و المدونات .


بتول خليل
تمّوز 2008

Wednesday




التجاذب السياسي ضيّق هامش الحرية...وأحنّ الى الصحافة المكتوبة


زاهي وهبي: "خليك بالبيت" مزيج من الثقافة و الجماهيرية



دخل برنامج "خليك بالبيت" على شاشة المستقبل عامه الثاني عشر واستطاع خلال هذه السنوات ان يستقطب العديد من الاسماء المهمة في العالم العربي ان كان على الصعيد الفني أو الثقافي أو السياسي او الابداعي.. مقدمه زاهي وهبي صاحب قدرة متميزة في إدارة الحوار وخلق التناقش المستمر وتحقيق النجاح، اضافة الى جعل البرنامج يحتل المرتبة الاولى في قائمة البرامج الثقافية التي تعرض على شاشات العالم العربي


ولد برنامج" خليك بالبيت"، كما يقول زاهي وهبي، في العام 1996 من رحم برنامج سابق هو " الليل المفتوح". وكان الليل المفتوح يعاني من صعوبات تراجع بالبرنامج، عندها كلفته ادارة التلفزيون بالاشراف على البرنامج و اعادة صياغته. هنا وجد وهبي انه من الاجدى تغييره كليا، لانه ما من سبب منطقي لاعادة صياغة برنامج" له ما له وعليه ما عليه بنجاحه وفشله". وطرح فكرة البرنامج الجديد على الادارة وكان " خليك بالبيت".

ويرجع وهبي سبب تغييب البرامج الثقافية عن المحطات التلفزيونية الى ان " ادارة الفضائيات العربية لديها وهم بأنّ المشاهد يريد " طق الحنك" او البرامج التي تحاكي غرائزه سواء اكانت غرائز سياسية ام غرائز من اي نوع آخر مثل الفن الهابط والمبتذل".وهناك سبب آخر حسب رأيه وهو ان " المثقفين انفسهم يتحملون مسؤولية سبب تغييب البرامج الثقافية وذلك بسبب ترفعهم وانافتهم من التلفزيون



لذا فقد كان الهدف الاساسي لبرنامج "خليك بالبيت"، ان لا يكون على طريقة البرامج الثقافية التي تعودنا ان نراها. ويضيف وهبي" اردت ان يكون البرنامج ثقافي متنوع، اي اضافة الى الشعر، والرواية والمسرح، فانني استضفت العديد من السياسين و الصحافيين و رجال الدين و الاسرى،بمعنى ان الثقافة هي ما تكون وعينا كمتلقّين او كافراد او كمشاهدين بكل مناحي الحياة، اضافة الى ذلك فانني اردت للبرنامج ان يكون برنامج عربي للبنان وليس برنامج لبناني يبّث للعالم العربي، واتصوّر ان ذلك ساهم بان يكون " خليك بالبيت" برنامجا ثقافيا و جماهريا في الوقت عينه



وواجه البرنامج بعض العوائق في بدايته مثل "وجود صعوبة باقناع ادارة المحطة باستضافة شخصيات غير متوجهة ولكنها مبدعة، لان المحطة كانت تبحث فقط عن النجوم..اضافة الى الصعوبات التي بات يواجهها البرنامج في السنوات الثلاث الاخيرة". ويضيف وهبي بانّه " منذ ان دخل لبنان بهذا النفق المظلم من الصراع و التجاذب السياسي ضاق هامش الحرية، فواقع البلد لم يعد يسمح بامكانية العمل بحرّية و ارتياح. ورغم ذلك حرصت على تحييد البرنامج عن الصراع السياسي كي يبقى " خليك بالبيت" منبرا توحيديا".

وتأتي استمرارية البرنامج كنتيجة للاهداف التي وضعها وهبي في بداية تأسيسه، فبعد 12 عاما على انطلاقة " خليك بالبيت" يرى وهبي ان احترام عقل ووعي المشاهد هو الاساس، كذلك احترام الضيف و الابتعاد عن اسلوب الاستفزاز في محاورته".

كما يعزو وهبي سبب استمرارية برنامجه الى تجاوب الضيوف مع الحوارات والطاقم المساعد باعداد البرنامح، اضافة الى هامش الحرية الذي منحته اياه ادارة المستقبل". و قد حرص وهبي على ابقاء البرنامج منبرا متنوّعا، اي اختيار الضيوف من الفنانين والشعراء والمناضلين والممثلين والسياسين و في الوقت نفسه يوجد تنوّع بالانتماءات، فقضية الاسرى كانت حاضرة دائما في " خلّيك بالبيت" لان الاسير" بحاجة فعلا لان يبقى بالبال"، كذلك بالنسبة للقضية الفلسطينية مما ساهم ايضا باستمرارية و نجاح البرنامج. ويطمح زاهي وهبي الى المزيد من النجاح و الاستمرارية و يتمنّى" ان يبقى البرنامج منبر للتنوع و التعدد و منبرا للقضايا العربية العادلة".

وبعيدا عن العمل الاعلامي، لم يخفي زاهي وهبي حنينه الى الصحافة المكتوبة ويقول:" ما في اجمل من ريحة الورق، وانا اشبّه الجريدة بالرغيف السخن الطالع من الفرن لان الخبربينعجن و بينطبخ بنفس الطريقة". وعن تأيثر التلفزيون على الشعر و الكتابة عنده فيعبّر وهبي عن ذلك و يقول:" الشعر هو حياتي والورقة البيضاء هي شاشتي الذاتية، اما التلفزيون فهو شاشتي المهنية




بتول خليل
تموز 2008
"لهذه الاسباب ترك " ال بي سي

"سلطان سليمان:" مش قابض حدا بكل هالبلد


الصحافة مرض و ليست مهنة بالنسبة الى المراسل الصحفي سلطان سليمان، الذي انتقل من العمل في الصحافة المكتوبة و التلفزيونية و اشتهر بتغطية الحروب الى العمل مع قوات حفظ السلام. يتحدث عن مسيرته المهنية بلهجة توحي بالثقة و الطمأنينة و الهدوء، ويؤكد ان "الحقيقة" كانت دائما هاجسه الاول

كيف كانت بداية عملك في الصحافة ؟

بدات عملي الصحفي مراسلا لجريدة النداء التابعة للحزب الشيوعي ، غطيّت مؤتمرات عالمية في اوروبا. وبقيت اعمل في الجريدة لمدة 3 سنوات الى ان انتقلت للعمل في تلفزيون المستقبل في العام 1992 كمسؤول عن الاخبار العربية والدولية. وبعد 10 اشهر استلمت ادارة اخبار اذاعة صوت الشعب. وفي عام 1995 عملت مراسلا لوكالة رويترز في لبنان وسوريا. ثم انتقلت في العام 2002 للعمل في المكتب الاخباري لقناة الجزيرة في قطر. ثم عدت الى لبنان و عيّنت مسؤولا عن المراسلين في الحياة- ال بي سي. بعدها عملت مسؤولا عن الشؤون المدنية في قوّات الطوارىء المدنية بعد ان تركت العمل في المؤسسة اللبنانية للارسال في شباط الماضي.

يعرّف عنك البعض بانك " طير يغرّد خارج السرب"، هل لهذا علاقة مباشرة بنجوميتك ؟

لقد اطلق عليّ هذا اللقب خلال تغطيتي حرب تموز 2006 ، وانا لا انفي كوني خارج سياسة المؤسسة التي اعمل فيها، لكنني في عملي اضع آرائي جانبا و اعطي الاولوية للحقيقة.
و طبعا ايصال الحقيقة لا يمنع بان يكون الانسان ملتزما بقضية، و اذا كانت هذه القضية تحرّضك على ان لا تقول الحقيقة، فهي اذا قضية غير عادلة ويجب التخلي عنها. فيما اذا كانت عادلة فمن واجبي كصحافي ان اخبر الحقيقة.. هذه معادلة بسيطة.

ولكن لكل مؤسسة اعلامية توجهها وسياستها…

(مقاطعا) عملت في المؤسسة اللبنانية للارسال ضمن شروط وضعتها مسبقا تتلائم مع مبادئي كصحافي يريد ايصال الحقيقية. كذلك الامر بالنسبةالى قناة الجزيرة حيث كان شرطي الاساسي ان لا اجري اية مقابلة صحفية مع اي اسرائيلي. وفي كل من هذه المؤسسات كانت الحقيقة هاجسي، اضافة الى موقفي من العدو الاسرائيلي، اذ انني كمواطن اعتبر ان ارضي محتلة وعليه فانه لا يكمنني الا ان اعتبر اسرائيل عدوا. و عندما كنت في "الجزيرة" مسؤولاً عن نشرة إخبارية، رفضت بث مقابلة مع الرئيس الإسرائيلي كتساف لأني ضد إسرائيل. وإذا كان بوسعي ألا أعطي رئيسها منبراً إعلامياً يطلّ منه، في وقت تمنع فيه دولته كل المسؤولين الفلسطينيين من الظهور الإعلامي، فلماذا أعطيه هذا الامتياز؟

هل تركت العمل في هذه المؤسسات بقرار شخصي؟

قدّمت استقالتي لمدير "الجزيرة" محمد علي الجسمي وقررت العودة الى بيروت، وكذلك الامر في المؤسسة اللبنانية للارسال.

كيف تقيّم تجربتك في الـمؤسسة اللبنانية للارسال خلال حرب تموز ؟

كانت تجربة مهمة، ولكن في الحقيقة انا لا اغيّر جلدي، انا انتمي الى هذا البلد وكل المواطنين في هذا البلد هم اهلي.. وخلال الحرب حصل نقاش حاد بيني وبين احد المسؤولين في" القوات اللبنانية". اتهمني انني بالغت في وقوفي وتضامني مع المقاومة. وكان جوابي انني اعتبر ان من واجبي كصحافي ان اكون الى جانب الحقيقية، ثم انه من واجبي كانسان ان اكون الى جانب الضعيف. بمعزل عن من قام بالخطوة الاولى و من اطلق الرصاصة الاولى.. هناك واقع لا يمكننا التهرّب منه وهو ان الذين سقطوا شهداء من نساء واطفال وشيوخ هم اهلنا، و الآلة العسكرية التي قتلتهم هي آلة اسرائلية امركية. فكيف يمكن ان اساوي بين الضحية والجلاد ؟!

ما هو السبب المباشر لتركك ال بي سي ؟

في ايلول 2007 اسست مكتبا للLBC في ايران، وعند عوتي الى المؤسسة في لبنان تفاجأت بالتعديلات الحاصلة حيث سحبت منّي بطاقة المسؤول عن المراسلين وطلب منّي الانتظار الى حين حصول حدث كبير كي اغطّيه كمراسل للمؤسسة. والى حين حصول هكذا حدث طلب مني بيار الضاهر ان اقوم بتغطية الاحداث السياسية اليومية. رفضت لسببين ، الاول هو اختلافي مع سياسية المؤسسة، اذ انني ارفض ان يقوموا بتعديل تقاريري الاخبارية بما يتناسب مع سياسية المؤسسة. ثم انني لا اهتم للتصريحات والمواقف والردود الصادرة عن الرؤساء و الوزراء والمسؤولين و انا " منّي قابض حدا بكل هالبلد"، هذا ليس عملا صحافيا بل يسمّى" لتلتة". وقدمت استقالتي بعد ان حصلت على عرض عمل مع "اليونيفل" في الجنوب.

اثرت بلبلة خلال تغطيتك احداث مارمخايل، هل كان هذا ايضا دافعا لتقديم استقالتك ؟

كان همّي الوحيد حينها ان انقل الحقيقة كما هي، وكنت انقل كل ما يحصل على الارض، والذي اثار حفظية المؤسسة هو ما نقلته عن ان هناك اطلاق رصاص كان متوجها من منطقة عين الرمانة باتجاه منطقة الشياح، هم لا يريدونني ان اقول المصدر الحقيقي للرصاص، حينها اتصلوا بي من مكتب القوات اللبنانية مستنكرين ما قلته هلى الهواء.. اذا اعتبروا انني اتهمهم باطلاق الرصاص على منطقة الشياح. والحقيقة انني كنت انقل ما ارى واسمع من على الارض امامي. و ربما كانت هذه الحادثة هي " القشّة التي قسمت ظهر البعير" وتركت المؤسسة نهائيا.

ما هي طبيعة عملك مع قوات الطوارىء الدولية ؟
"انا المسؤول في الشؤون المدنية في القطاع الشرقي في" اليونيفل


كيف تصف الانتقال من تغطية الحروب الى العمل مع قوات حفظ السلام ؟
خلال عملي في تغطية الحروب كنت من جماعة السلام، السلام العادل و الشامل و ليس السلام القائم على الظلم و لا
يزال هذا موقعي الى اليوم..

هل ستعود الى ال" ال بي سي " يوما ما ؟
" ايه بشروطي برجع ".. انا اعشق العمل في الصحافة، و في اعتقادي ان الصحافة هي مرض و ليست مهنة وهذا المرض لا يمكن الشفاء منه وانا سعيدا جدا لانني خلال مسيرتي المهنية كنت من المؤرخين لاهم حدثين في العالم العربي، احدهما سقوط بغداد و الاخر هو صمود جنوب لبنان في حرب تموز..حيث قمت بتغطية هاتين الحربين و كنت حينها العلامة الفارقة من بين كل من قام بالعمل نفسه

بتول خليل

تموز 2008

تلفزيون لبنان: صورة عن الدولة.. الاضعف بين الاقوياء


لطالما كان تلفزيون لبنان هو التلفزيون الرائد، ليس في لبنان فحسب بل في المنطقة العربية والشرق الاوسط. وكان السبّاق في نقل المعلومة والحدث، ناهيك عن الانتاج الفنّي والادبي و البرامج الحوارية المتميّزة. فما هي الاسباب الموضوعية والحقيقية لتراجع تلفزيون لبنان عن اداء هذا الدور منذ اواخر الثمانينات و من هو المسؤول عن هذا التراجع؟ و ما هي الرسالة الاوّلية و المبدأية لتلفزيون يحمل اسم الوطن أولا ومؤسسة وطنية غير فئوية او مذهبية ثانيا ضمن امكاناته الحالية؟ وما هي فرصه اليوم في استقطاب النخب او المشاهدين العاديين من جميع الفئات و جذبهم الى شاشته ؟


"جان كلود بولس" التلفزيون.. رحلة الى الجحيم

يتحدّث الاستاذ جان كلود بولس الذي ترأس مجلس ادارة تلفزيون لبنان بين عامي 1996 و1999
عن كتابه الصادر عن دار"النهار" تحت عنوان "التلفزيون.. رحلة إلى الجحيم". والذي يوثق كل مشكلات التلفزيون المزمنة والطروحات التي وُضعت لحلها، واصفاً بدقة ردود فعل كل واحد من الطبقة الحاكمة حينها تجاه دور تلفزيون لبنان ومهمته، لا بل الجدوى من وجوده أساساً
ففي عام 1996،يقول بولس،" كان عدد موظفي التلفزيون 490 موظفاً، 12 منهم كانوا يواظبون على الحضور، فيما عثر الباقون على وظائف أخرى، واستمروا بقبض رواتبهم البالغة الانتفاخ
ولقد ارتبط هؤلاء بالتلفزيون بموجب عقود عمل أملتها ظروف الحرب عام 1989، وحصلوا على تقديمات مرتفعة، كبّدت المؤسسة المترهلة 12 مليون دولار سنوياً، كرواتب وبدلات ضمان وتقديمات أخرى (تعويضات صرف مضاعفة ثلاث مرات، علاوات الشهرين الثالث عشر والرابع عشر، علاوة تلقائية مطلع كل عام...) لا ينال بعضها موظفو التلفزيونات الخاصة"

ويشرح بولس: "في النصوص ستجدون وجهاً آخر من الحياة في بلادنا. إنها صفحة تاريخ صغيرة من صفحات تاريخ لبنان". ويضيف: "ستفهمون لماذا ظننت حين استدعاني الرئيس الهراوي لتولي منصب رئيس مجلس إدارة التلفزيون العام أنني أسير باتجاه الجنة لكنني انتهيت لسوء الحظ بالتوجه نحو الجحيم".
ويتحدّث بولس عن "خلافات الرؤساء الثلاثة، الذين شكلوا ما عُرف بـ «الترويكا» آنذاك، وهم في تلك الفترة، الهراوي ورئيس مجلس النواب نبيه بري والحريري، فكانت تمزق نشرة الأخبار والبرامج السياسية في "تلفزيون لبنان". وكان للثلاثة مديرون محسوبون عليهم في المحطة، يأتمر كل منهم بأمر مرجعه السياسي أكثر مما يصغي إلى رئيس مجلس الإدارة. ولأن وزارة الإعلام كانت ولا تزال الوصية على المحطة، كان من تناوبوا عليها من وزراء لا يقلون تدخلاً عن أركان الـ "ترويكا".أما الذي أجهز كلياً على تلفزيون لبنان فهي السياسة التي اتبعتها الدولة في انتخابات عام 2000 وطبقها تلفزيون الدولة بحذافيرها،فعندما شنّت المحطّة حملة شرسة على الرئيس الراحل رفيق الحريري، كنت قد خرجت من المحطّة. وكانت الحملة أبرز الأسباب التي دفعت بالرئيس الحريري إلى إقفال المحطة وتصفيتها خلال السنة الأولى لعودته إلى رئاسة الوزراء".

وعلى رغم ان "تلفزيون لبنان" أُعيد تأسيسه في 25 أيارمن العام ذاته احتفاء بالذكرى الأولى للانسحاب الإسرائيلي من لبنان، ليعود إلى بث يكاد يقتصر على أرشيفه وعلى نشرة إخبارية متوازنة لكنها غير ذات الون أو طعم أو رائحة، "للأسف"، يختتم بولس: "دلت دراسات المشاهدة الى ان تلفزيون لبنان لم يستطع النهوض أبداً بعد إقفاله في 28 شباط 2001 ".


"جلال عسّاف:" العامل المادّي هو العائق الاساسي

الأستاذ جلال عسّاف رئيس التحرير ورئيس قسم الشؤون العربية والدولية في تلفزيون لبنان، يتحدّث عن تراجع دور تلفزيون لبنان و يقول "بعد عشر سنوات من اندلاع الحرب، نبتت محطات تلفزيونية على ضفاف تلفزيون لبنان، وكان حق البث حصرياًّ للتلفزيون لغاية عام 2012 وشهدت البلاد جدلا واسعًا حول منح الترخيص للمؤسسات التلفزيونية الخاصة. ثمّ ظهرت أوّل مؤسسة تلفزيونية خاصة في صيف العام 1985. والبعض يتحدّث عن أن بعض الآلات التقنية سُحبت أو سُرقت من تلفزيون لبنان وتمّ استعمالها في تلفزيون خاص آخر".

ويعزو عسّاف أسباب تراجع تلفزيون لبنان إلى عدّة عوامل ويقول "السبب الأوّل هو الجو المذهبي والطائفي الذي ساد في فترة الحرب اللبنانية، إضافةً إلى الإنقسام السياسي الذي شهدته البلاد. والمشكلة الأخرى هي المحاصصة السياسية، أي نفترض أننا بحاجةٍ إلى مُخرجٍ أو مصوّر، فيجب أن يكون "ستّة وستّة مكرر" بغضّ النظر عن كفاءة الشخص، ولكن بالإجمال فإنّ العاملين في تلفزيون لبنان هم من الكفاءات العالية. ويضيف أنّ "العنصر الإداري كان له تاثيرٌ كبيرٌ في تراجع دور التلفزيون. إذ إنّه كان جيّدًا جدًا في بعض الأحيان وسيّئًا في أحيان أخرى، وهذا يعود إلى تدخّل المحصصات في التوظيف". وكان لنزوح الكفاءات سببًا آخر في هذا التراجع، فمثلا كان لدينا نخبةٌ من أبرز المخرجين الذين تركوا العمل في تلفزيون لبنان وتوجهوا للعمل في مؤسسات تلفزيونية خاصة وحققوا نجاحًا باهرًا هناك".

ويؤكّد عسّاف أن "قانون الإعلام المرئي والمسموع أعطى تلفزيون لبنان، ولغاية العام 2012، حق الحصول على جزءٍ من أرباح إعلانات المؤسسات التلفزيونية الخاصة. لكن قرشًا واحدًا لم يدخل إلى موازنة التلفزيون منذ صدور هذا القانون. ويعود ذلك إلى أنّ المؤسسات التلفزيونية الخاصة تابعةٌ لشخصياتٍ سياسيةٍ أو أحزابٍ أو فئاتٍ معيّنة، بينما تلفزيون لبنان هو تلفزيون كل المواطنين، فيحصل على موازنته من الدولة. وللعلم فإنّ إحدى المحطّات التلفزيونية الخاصة لديها حد أقصى لصرف الأموال يصل إلى مليونين أو أربعة ملايين دولار، بينما تلفزيون لبنان بأقصى فتراته كان يحصل على 500,000 دولار من موازنة الدولة".

ويشير عسّاف إلى أنّه بعد إقفال التلفزيون وإعادة فتحه من جديد، كان هناك قرارٌ سياسي بعدم انطلاقه مثل ما ينطلق أي تلفزيون. فكان كل برنامجٍ يحتاج إلى قرار سياسي، إضافةً إلى قرارٍ سياسي بكيفية صرف الإموال التي تدفع إلى موازنة التلفزيون. وذلك كي يستمرّ التلفزيون بالبث وكي يقال أن الدولة اللبنانية تملك مؤسسة تلفزيونية ناطقةً باسمها. ولا مشكلة في أن يبقى تلفزيون لبنان رسميًا وناطقًا باسم كل الناس والشرائح، ولكن فليدخل عليه عنصر التخصيص بنسبة 30 أو 40 % وليكن لديه طاقم إداريٌّ جديدٌ غير مترهّل".

وعن مدى فعالية قسم التحرير لناحية حاجاته بالتواصل الفاعل لمراسلين فاعلين منتشرين في جميع الأراضي اللبنانية وذلك لتزويده بالخبر السريع والسبق الصحفي، يجيب عسّاف بأنّ "الجانب المادي يشمل كل الأمور، فإذا أردنا أن نجدد النظام الذي نعمل به في قسم الأخبار، فهذا يحتاج إلى ميزانية أكبر. كذلك وجود مراسلين منتشرين على كافة الأراضي اللبنانية أو خارجها، يحتاج أيضًا إلى موازنةٍ أكبر. إذًا فالمشكلة ماديّةٌ بالدرجة الأولى وتقنيةٌ بالدرجة الثانية، فالعنصر البشري يحتاج إلى المادة والأموال لاستحضاره، فإذا توفرت، عندها يمكننا أن نعتمد المراسل أينما كان".

وفي ما خصّ القواعد التي يلتزم قسم التحرير في مراعاتها في ظل الجو الطائفي والشحن الذي تمارسه بعض المؤسسات التلفزيونية الأخرى، يؤكّد عسّاف أنّه "لا يوجد أي إملاءٍ خارجي يمارس على المؤسسة". ويقول: "نحن نعرف السقف الوطني والسقف المهني في نقل الأخبار وتغطية الأحداث، ونراعي السقفين دون أن ننتقص من الحقيقة. والعاملون في الجهاز التحريري ينتمون إلى مختلف الطوائف والأحزاب. فجهازنا التحريري هو مرآة عن لبنان، لكن هنا لا يحصل أي صدامٍ أو إشكالٍ بيننا".
ويختم عسّاف بتوجيه دعوة إلى المؤسسات التلفزيونية الخاصة، بتطبيق قانون الإعلام المرئي و المسموع حتّى نحصل على حقوقنا الماديّة. ويضيف بأن "لنا حقوقًا على المسؤولين في لبنان بدعم هذا الإتفاق، كما عليهم أن يدعموا تلفزيون لبنان الذي هو رمز للوحدة الوطنية ورمز للوطن اللبناني. وعلى شركات الإعلان أن يخصصوا حيّزًا معيّنًا من حركتهم وخططهم من أجل تلفزيون لبنان، كي تبقى لهذه المؤسسة القدرة على بث التربية الوطنية والمدنية وإفادة الشأن العام".

بتول خليل
تموز- 2008