Thursday

تعكس المشاهد اليومية العادية بعد أن ترصدها بعين ساخرة
مايا زنقول : " المدوّنة صالحتني مع لبنان"!

عندما تتصفح  كتابها او مدونتها لا بد أن تستوقفك الاسئلة عن ماهية هذا العمل وقيمته ومغزاه، لكن أكثر ما قد يستوقفك هو اسلوبها وطريقة معالجتها للمشاهد التي تتأرجح بين الطفولة والنضوج، وستعجب بعد التمعّن في طبيعة المواضيع  بطريقة التقاط عدستها الذاتية للصور ومن ثم تظهيرها وترجمتها عبر الرسومات على مدونتها بطريقتها الخاصة. هي مايا زنقول (1986)، مصممة الغرافيك  اللبنانية التي ولدت ونشأت  بعيداً عن لبنان لتعود  وتستقر فيه منذ العام 2005 بعد ما يقارب ال18 عشر عاما من العيش في المملكة العربية السعودية.
--------------
لعلّ أهم ما يبرز في عمل  زنقول هو تذمرها واستهجانها المتواصل الذي يحمل حسّاً عالياً من  النقد اللاذع والفكاهة والذي يرد إلينا عبر شخصية  الفتاة التي تمثّلها في رسوماتها ومن خلال المواقف التي تواجهها. ففي الحين الذي تعوّدنا فيه نحن ان نرى الكثير من سلبيات و مشاكل مجتمعنا والتقصير في الخدمات الواجب تقديمها من الدولة  كمتلازمة  من طبيعة حياتنا اليومية ومن خصائص ومواصفات  النظام و الاعراف القائمة، وانها امر طبيعي "نطنّش عنه" ونمر عليه مرور الكرام. تدلّ   زنقول، الآتية  من تربية و ثقافة مختلفة، باصبعها على  يومياتنا و أشيائنا لتقول فيهم كلمتها. وتلقي بما يجول برأسها وما تصادفه بيومياتها  تحت المجهر  باسلوب " البساطة المرّة". اذ شكّلت عبر عفويتها و طريقتها السردية و رؤيتها للاحداث معبراً سلسساً لتسليط الضوء على أكثر من خلل في النظام وأكثر من مشكلة يعاني منها المواطن والمقيم في لبنان. فمن تردّي خدمات الانترنت و الاتصالات الى زحمة السير  وحفر الطرقات  ثم إلى واقع المجتمع اللبناني المتكلّف بالمظاهر والمتخم بالتناقضات وغيرها من الامور.

البعد عن الصراع السياسي
تبرز الفطرة السليمة التي لم تسممها انياب الطائفية و العنصرية لتنعكس بشكل واضح عند زنقول، فلا يمكننا و نحن نتصفّح المدوّنة   (www.mayazankoul.com)الا و ان يغمرنا  حس متحرر مغلّف بالاطار الانساني العام.
 ويظهر الاندفاع بالتعبيرعند زنقول  جليّاً دون اي افتعال مما يعكس بديهية  حسّهاً الفطري  خارج ما جرت عليه عادة الصدام القائم في لبنان على خلفيات سياسية وطائفية منذ نشأة الجيل الحالي وتشكيل وعيه. اذ ان امتزاج التعبير  بالعدوانية والتطرف هو من الامور التي تعودنا عليها في لبنان  خاصة حين نعمد إلى  رصد اخطاء الآخر المختلف و المغاير عنّا سياسياً او عقائدياً بتصويب متعمّد يهدف إلى تعريته واستفزازه. لكننا نجد أن هذا تحديداً ما تتحرر منه زنقول من خلال نقدها ورسومها، إذ أنها  تنظر الى اليوميات التي تصيب معاناة اي مواطن وتعكس تفاصيل حياته العادية بحيادية تامة.

أرسم يومياتي " كفشة خلق"
اذاً، تفتح زنقول الصفحة و تصوّب العدسة بشكل واضح، وان كان الاسلوب بسيط وسهل الا ان مدلولاته مرٌة جداً. فهذه اليوميات و الحياة البسيطة و العادية التي بتنا لا نلتفت إليها كثيرا  لها الكثير من الاهمية عند الاشخاص العاديين الذين لم يعيشوا ويألفوا الحالة المعيشية اللبنانية. وتتحدث مايا عن نشأتها فتقول" نشأت في السعودية و تعلّمت في مدرسة ذات نظام اوروبي بين طلاب من مختلف الطوائف و الجنسيات، وساهم هذا الامر في كسر الحواجز بيني و بين الآخر المختلف عنّي. وحين عدت مع عائلتي لنستقر في لبنان في العام 2005، كانت الازمة السياسية  في بدايتها، و أكثر ما  اثار دهشتي هو الفرز الطائفي و العنصري الذي كانت تشهده البلاد بقوة آنذاك. و لم أكن معنية ان انتسب الى اي طرف سياسي بل تمنّيت حينها العودة الى السعودية. لكن بعد ان بدأت ارسم يومياتي " كفشة خلق" و اعبّر عن رؤيتي للامور من خلال هذه اليوميات، شعرت بان المدونة صالحتني مع لبنان و جعلتني اتقبّلّه كما هو".
 ومن الواضح ان زنقول تعيش نوعاً من الانسجام مع ذاتها وعملت على ان تستغل  الملل الذي كان ينتابها إلى دافع للأمل : "الشعور بالملل من العمل التجاري و الترويجي، دفعني الى انشاء مدونة حوّلتها الى مفكرتي الالكترونية التي تحتوي على يومياتي و مذكراتي المرسومة، والتي تعبّر عن انزعاجي من الكثير من المواقف و الاحداث التي اصادفها".

بين السخرية و الفكاهة
عند متابعتنا للمدونة، ترسلنا زنقول بعيداً عن القلق و بعيداًعن حياتنا اليومية المليئة بالضغوط، اذ يتحوّل الهم اليومي الى مشهد يقع في منطقة محايدة بين السخرية من واقعنا وحسرتنا عليه. فتلك الابتسامة المصطنعة التي ترتسم على شفتي الفتاة  في رسوم زنقول  تشكّل الحافز لاخراج ابتسامتنا الحقيقة. امّا الشخصية، بطلة الأحداث، فهي شخصية مبتكرة تراوح  ما بين الحداثة و البساطة والتقليد، وهي تشبه إلى حد كبير حال معظم المواطنين الذين لا يستطيعون أكثر من "النق" والتعليق دونما حول ولا قوة ولا قدرة على التغيير. 

التجربة الواعدة
 تبدو تجربة مايا زنقول  واعدة في المستقبل القريب خاصة انّه سبق لها  أن  طوّرت تجربتها بسرعة من خلال نقلها من مدونتها الإلكترونية إلى عرضها في المعارض ثم نشرها من خلال كتاب،  مؤلّف من جزئين، والذي لاقى رواجاً جيدا. وتقول زنقول في هذا السياق "إن نجاح المدونة ساهم بان يقوم المركز الثقافي الفرنسي بتمويل عرض لرسوماتي ضمن معارض تقع في بيروت وعدة مناطق لبنانية اخرى.  أما الكتاب  فهو خلاصة ما نشرته في المدونة التي تحمل العنوان نفسه Maya Zankoul Amalgam ، و "Amalgam"  معناها مزيج او خلطة، و سبب اختياري هذا العنوان هو لانني اعتبر ان  المجتمع اللبناني هو عبارة عن خليط ومزيج من كل شيء".
وتلفت زنقول الى ان مشروع كتابها الاول كان " مغامرة" بالنسبة اليها، اذ انها تلقّت العديد من التعليقات والتكهنات حول عدم امكانية نجاح كتاب يحمل رسومات ذات طابع كوميدي ساخر، لكن التجربة اثبتت العكس ، فسرعان ما نفذت نسخات الطبعة الأولى، اضافة الى ان الكتاب جاء ضمن الكتب العشر الأوائل الاكثر مبيعاً في Virgin Mega Store ". و تسعى زنقول الى ادخال ال Animation  على رسوماتها  مما يضيف تقنية  الحركة والصوت على الرسوم ، وفي حال تم انجاز الفكرة فستعرض اما على  موقع ال Youtube  اوعلى قناة تلفزيونية محلّية.

بتول خليل

No comments: