Wednesday

تلفزيون لبنان: صورة عن الدولة.. الاضعف بين الاقوياء


لطالما كان تلفزيون لبنان هو التلفزيون الرائد، ليس في لبنان فحسب بل في المنطقة العربية والشرق الاوسط. وكان السبّاق في نقل المعلومة والحدث، ناهيك عن الانتاج الفنّي والادبي و البرامج الحوارية المتميّزة. فما هي الاسباب الموضوعية والحقيقية لتراجع تلفزيون لبنان عن اداء هذا الدور منذ اواخر الثمانينات و من هو المسؤول عن هذا التراجع؟ و ما هي الرسالة الاوّلية و المبدأية لتلفزيون يحمل اسم الوطن أولا ومؤسسة وطنية غير فئوية او مذهبية ثانيا ضمن امكاناته الحالية؟ وما هي فرصه اليوم في استقطاب النخب او المشاهدين العاديين من جميع الفئات و جذبهم الى شاشته ؟


"جان كلود بولس" التلفزيون.. رحلة الى الجحيم

يتحدّث الاستاذ جان كلود بولس الذي ترأس مجلس ادارة تلفزيون لبنان بين عامي 1996 و1999
عن كتابه الصادر عن دار"النهار" تحت عنوان "التلفزيون.. رحلة إلى الجحيم". والذي يوثق كل مشكلات التلفزيون المزمنة والطروحات التي وُضعت لحلها، واصفاً بدقة ردود فعل كل واحد من الطبقة الحاكمة حينها تجاه دور تلفزيون لبنان ومهمته، لا بل الجدوى من وجوده أساساً
ففي عام 1996،يقول بولس،" كان عدد موظفي التلفزيون 490 موظفاً، 12 منهم كانوا يواظبون على الحضور، فيما عثر الباقون على وظائف أخرى، واستمروا بقبض رواتبهم البالغة الانتفاخ
ولقد ارتبط هؤلاء بالتلفزيون بموجب عقود عمل أملتها ظروف الحرب عام 1989، وحصلوا على تقديمات مرتفعة، كبّدت المؤسسة المترهلة 12 مليون دولار سنوياً، كرواتب وبدلات ضمان وتقديمات أخرى (تعويضات صرف مضاعفة ثلاث مرات، علاوات الشهرين الثالث عشر والرابع عشر، علاوة تلقائية مطلع كل عام...) لا ينال بعضها موظفو التلفزيونات الخاصة"

ويشرح بولس: "في النصوص ستجدون وجهاً آخر من الحياة في بلادنا. إنها صفحة تاريخ صغيرة من صفحات تاريخ لبنان". ويضيف: "ستفهمون لماذا ظننت حين استدعاني الرئيس الهراوي لتولي منصب رئيس مجلس إدارة التلفزيون العام أنني أسير باتجاه الجنة لكنني انتهيت لسوء الحظ بالتوجه نحو الجحيم".
ويتحدّث بولس عن "خلافات الرؤساء الثلاثة، الذين شكلوا ما عُرف بـ «الترويكا» آنذاك، وهم في تلك الفترة، الهراوي ورئيس مجلس النواب نبيه بري والحريري، فكانت تمزق نشرة الأخبار والبرامج السياسية في "تلفزيون لبنان". وكان للثلاثة مديرون محسوبون عليهم في المحطة، يأتمر كل منهم بأمر مرجعه السياسي أكثر مما يصغي إلى رئيس مجلس الإدارة. ولأن وزارة الإعلام كانت ولا تزال الوصية على المحطة، كان من تناوبوا عليها من وزراء لا يقلون تدخلاً عن أركان الـ "ترويكا".أما الذي أجهز كلياً على تلفزيون لبنان فهي السياسة التي اتبعتها الدولة في انتخابات عام 2000 وطبقها تلفزيون الدولة بحذافيرها،فعندما شنّت المحطّة حملة شرسة على الرئيس الراحل رفيق الحريري، كنت قد خرجت من المحطّة. وكانت الحملة أبرز الأسباب التي دفعت بالرئيس الحريري إلى إقفال المحطة وتصفيتها خلال السنة الأولى لعودته إلى رئاسة الوزراء".

وعلى رغم ان "تلفزيون لبنان" أُعيد تأسيسه في 25 أيارمن العام ذاته احتفاء بالذكرى الأولى للانسحاب الإسرائيلي من لبنان، ليعود إلى بث يكاد يقتصر على أرشيفه وعلى نشرة إخبارية متوازنة لكنها غير ذات الون أو طعم أو رائحة، "للأسف"، يختتم بولس: "دلت دراسات المشاهدة الى ان تلفزيون لبنان لم يستطع النهوض أبداً بعد إقفاله في 28 شباط 2001 ".


"جلال عسّاف:" العامل المادّي هو العائق الاساسي

الأستاذ جلال عسّاف رئيس التحرير ورئيس قسم الشؤون العربية والدولية في تلفزيون لبنان، يتحدّث عن تراجع دور تلفزيون لبنان و يقول "بعد عشر سنوات من اندلاع الحرب، نبتت محطات تلفزيونية على ضفاف تلفزيون لبنان، وكان حق البث حصرياًّ للتلفزيون لغاية عام 2012 وشهدت البلاد جدلا واسعًا حول منح الترخيص للمؤسسات التلفزيونية الخاصة. ثمّ ظهرت أوّل مؤسسة تلفزيونية خاصة في صيف العام 1985. والبعض يتحدّث عن أن بعض الآلات التقنية سُحبت أو سُرقت من تلفزيون لبنان وتمّ استعمالها في تلفزيون خاص آخر".

ويعزو عسّاف أسباب تراجع تلفزيون لبنان إلى عدّة عوامل ويقول "السبب الأوّل هو الجو المذهبي والطائفي الذي ساد في فترة الحرب اللبنانية، إضافةً إلى الإنقسام السياسي الذي شهدته البلاد. والمشكلة الأخرى هي المحاصصة السياسية، أي نفترض أننا بحاجةٍ إلى مُخرجٍ أو مصوّر، فيجب أن يكون "ستّة وستّة مكرر" بغضّ النظر عن كفاءة الشخص، ولكن بالإجمال فإنّ العاملين في تلفزيون لبنان هم من الكفاءات العالية. ويضيف أنّ "العنصر الإداري كان له تاثيرٌ كبيرٌ في تراجع دور التلفزيون. إذ إنّه كان جيّدًا جدًا في بعض الأحيان وسيّئًا في أحيان أخرى، وهذا يعود إلى تدخّل المحصصات في التوظيف". وكان لنزوح الكفاءات سببًا آخر في هذا التراجع، فمثلا كان لدينا نخبةٌ من أبرز المخرجين الذين تركوا العمل في تلفزيون لبنان وتوجهوا للعمل في مؤسسات تلفزيونية خاصة وحققوا نجاحًا باهرًا هناك".

ويؤكّد عسّاف أن "قانون الإعلام المرئي والمسموع أعطى تلفزيون لبنان، ولغاية العام 2012، حق الحصول على جزءٍ من أرباح إعلانات المؤسسات التلفزيونية الخاصة. لكن قرشًا واحدًا لم يدخل إلى موازنة التلفزيون منذ صدور هذا القانون. ويعود ذلك إلى أنّ المؤسسات التلفزيونية الخاصة تابعةٌ لشخصياتٍ سياسيةٍ أو أحزابٍ أو فئاتٍ معيّنة، بينما تلفزيون لبنان هو تلفزيون كل المواطنين، فيحصل على موازنته من الدولة. وللعلم فإنّ إحدى المحطّات التلفزيونية الخاصة لديها حد أقصى لصرف الأموال يصل إلى مليونين أو أربعة ملايين دولار، بينما تلفزيون لبنان بأقصى فتراته كان يحصل على 500,000 دولار من موازنة الدولة".

ويشير عسّاف إلى أنّه بعد إقفال التلفزيون وإعادة فتحه من جديد، كان هناك قرارٌ سياسي بعدم انطلاقه مثل ما ينطلق أي تلفزيون. فكان كل برنامجٍ يحتاج إلى قرار سياسي، إضافةً إلى قرارٍ سياسي بكيفية صرف الإموال التي تدفع إلى موازنة التلفزيون. وذلك كي يستمرّ التلفزيون بالبث وكي يقال أن الدولة اللبنانية تملك مؤسسة تلفزيونية ناطقةً باسمها. ولا مشكلة في أن يبقى تلفزيون لبنان رسميًا وناطقًا باسم كل الناس والشرائح، ولكن فليدخل عليه عنصر التخصيص بنسبة 30 أو 40 % وليكن لديه طاقم إداريٌّ جديدٌ غير مترهّل".

وعن مدى فعالية قسم التحرير لناحية حاجاته بالتواصل الفاعل لمراسلين فاعلين منتشرين في جميع الأراضي اللبنانية وذلك لتزويده بالخبر السريع والسبق الصحفي، يجيب عسّاف بأنّ "الجانب المادي يشمل كل الأمور، فإذا أردنا أن نجدد النظام الذي نعمل به في قسم الأخبار، فهذا يحتاج إلى ميزانية أكبر. كذلك وجود مراسلين منتشرين على كافة الأراضي اللبنانية أو خارجها، يحتاج أيضًا إلى موازنةٍ أكبر. إذًا فالمشكلة ماديّةٌ بالدرجة الأولى وتقنيةٌ بالدرجة الثانية، فالعنصر البشري يحتاج إلى المادة والأموال لاستحضاره، فإذا توفرت، عندها يمكننا أن نعتمد المراسل أينما كان".

وفي ما خصّ القواعد التي يلتزم قسم التحرير في مراعاتها في ظل الجو الطائفي والشحن الذي تمارسه بعض المؤسسات التلفزيونية الأخرى، يؤكّد عسّاف أنّه "لا يوجد أي إملاءٍ خارجي يمارس على المؤسسة". ويقول: "نحن نعرف السقف الوطني والسقف المهني في نقل الأخبار وتغطية الأحداث، ونراعي السقفين دون أن ننتقص من الحقيقة. والعاملون في الجهاز التحريري ينتمون إلى مختلف الطوائف والأحزاب. فجهازنا التحريري هو مرآة عن لبنان، لكن هنا لا يحصل أي صدامٍ أو إشكالٍ بيننا".
ويختم عسّاف بتوجيه دعوة إلى المؤسسات التلفزيونية الخاصة، بتطبيق قانون الإعلام المرئي و المسموع حتّى نحصل على حقوقنا الماديّة. ويضيف بأن "لنا حقوقًا على المسؤولين في لبنان بدعم هذا الإتفاق، كما عليهم أن يدعموا تلفزيون لبنان الذي هو رمز للوحدة الوطنية ورمز للوطن اللبناني. وعلى شركات الإعلان أن يخصصوا حيّزًا معيّنًا من حركتهم وخططهم من أجل تلفزيون لبنان، كي تبقى لهذه المؤسسة القدرة على بث التربية الوطنية والمدنية وإفادة الشأن العام".

بتول خليل
تموز- 2008

No comments: